خطة ترامب، التي بدأت ملامحها تظهر رغم أنه لم يُعلن عنها بشكل رسمي، تحمل معالم مرحلة جديدة تُشبه مرحلة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين؛ إذ ينوي ترامب تعيين قائد عسكري للقطاع على غرار بريمر، يُدعى ديفيد بيزلي، وهو جنرال أمريكي سيترأس إدارة القطاع لفترة غير محددة، وسيحظى بدعم دولي وعربي، وإمكانيات تجعله قادرًا على حكم غزة تحت وعود الإعمار، وإدخال المساعدات، وبناء ما دمرته حرب الإبادة في غزة.
الخطة التي تحمل في ظاهرها بنود كسر الحصار، وإدخال المساعدات، ووقف حرب الإبادة، تُخفي في باطنها ما هو أخطر من كل التوقعات، إذا ما تأملناها بتمعن؛ فترامب هو صاحب فكرة طرد سكان غزة، وصاحب نظريات الاستيلاء على غزة، بما فيها ما تحت الأرض وما فوقها، وتحويلها إلى منطقة استثمار أمريكية، ومنطقة سياحية تضم منتجعات ومرافق متعددة، بينما يُهجّر السكان الأصليون تحت ذرائع إنسانية وادعاءات باطلة. وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يُروَّج له على أنه حبل النجاة الترامبي الوحيد، الممتد لانتشال الناس في غزة من خطر الموت جوعًا وقصفًا.
إنها خطة يُروَّج لها على أنها الحل الوحيد الممكن، وخيط النجاة، الذي لولاه لبقي نتنياهو وجيشه يبطشون بالناس، ويواصلون عمليات القتل والتجويع. وفي ظل الجوع، وفشل الخطة العربية، بل وفشل أي خطة أخرى في مواجهة خطة ترامب، فإن الخطر الحقيقي يكمن في مضمونها، لا في الشعارات المغلفة بطابع إنساني. وهو الذي قال إنه ينوي تحويل غزة إلى "ريفييرا"، وتوعد بأنه سيمتلكها، واعتبرها مكانًا غير صالح للعيش، وعلى أهل غزة مغادرتها للعيش في بلد آخر. ومثلما هو معروف، فإن رجل الصفقات، ترامب، يطمح لأكثر من ذلك، بحيث لا تتعارض سيطرته على غزة مع مشروعه الإقليمي المعروف باتفاقيات إبراهيم وخطة التطبيع.
وفي ظل هذا المشهد المعقّد، يبدو أن خطة ترامب ليست مجرد مبادرة عابرة، بل مشروع استراتيجي طويل الأمد، يُراد له أن يُعيد رسم خريطة غزة سياسيًا وجغرافيًا واقتصاديًا، ويعتبر أخطر تهديد لحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦7، وهي أخطر الخطط، تحت إدعاءات إنسانية وخلاف في الظاهر مع حكومة الاحتلال، وفي ظل حالة الضعف العربي، والجوع المطبق في غزة، والعجز الفلسطيني بالتقدم نحو وحدة وشراكة حزبية وفصائلية تنقذ الواقع، فإن خطة ترامب تنذر بمصير مجهول ومستقبل مظلم.