- قوات الاحتلال تقتحم مدينة بيت لحم
- قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت أمر شمال الخليل
- قوات الاحتلال تقتحم مدينة نابلس من حاجز دير شرف
لم يهدأ الضجيج العالمي الذي أحدثته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص ضم كندا وقناة بنما وغرينلاند للولايات المتحدة، ووضع يده على قطاع غزة بعد تهجير سكانه، حتى كان نائبه جي دي فانس، يثير غضب أوروبا بأسرها، عبر خطابه في مؤتمر الأمن الذي انعقد في ميونيخ قبل أيام، إلى أن وصل الغضب من فانس بريطانيا، أي إنكلترا وأسكتلندا، بسبب قانون الإجهاض، لدرجة أن وصف بالمتطرف، وكان فانس قد وجه انتقادا لاذعا للديمقراطية الأوروبية متوقعا سقوطها، بالإشارة إلى فتح أوروبا أبوابها للهجرة، ما أثار غضب جميع الأوروبيين، الذين اعتبروا هجومه على القارة العجوز «تنمرا» أميركيا، هذا في الوقت الذي كان فيه سيد البيت الأبيض، قد أرسل نائبه مرفقا بتصريحات مستفزة، لدرجة الاستخفاف بأوروبا، إن كان بسبب الضرائب الجمركية أو الحرب الروسية ـــ الأوكرانية.
ورغم أن العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا شهدت برودا ما خلال ولاية ترامب الأولى، إلا أن سياسة سلفه جو بايدن سعت لإعادة اللحمة بين الشريكين التاريخيين، وذلك عبر بوابة الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي كانت أميركا وليس أوروبا هي من نفخت في نارها وأججتها، وصحيح أن 80% من الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا يأتي من أميركا، وهذا طبيعي بالنظر إلى أن أميركا هي من أرادت تلك الحرب لتعزيز نظامها العالمي، بل وأجبرت أوروبا على الدخول في حالة عداء مع الجار الروسي، وأن تتضرر اقتصاديا، وأوروبا تعيش على النفط والغاز الروسي الرخيص، واليوم، حين تقدم أميركا على الخروج من تلك الحرب، تحاول أن تأخذ الثمن من أوكرانيا التي تطالبها بـ 500 مليار دولار، بل ويذهب ترامب للقاء فلاديمير بوتين في السعودية دون أن يشرك أو حتى ينسق لا مع أوروبا ولا مع أوكرانيا.
وبايدن وترامب ما هما إلا رئيسان للولايات المتحدة، أي أن أميركا مسؤولة عما يترتب على كل ما يفعلانه، وأوروبا ليست ملحقا أو تابعا لأميركا، تجرها في ذيلها في حالتي الحرب والسلم، لكن على ما يبدو أن إدارة ترامب وهي تعي ما تفعل، إنما هي ذاهبة للخروج من العديد من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية المناخ، وأكثر من ذلك يبدو أنها لا تسعى لفك الشراكة السياسية والاقتصادية مع أوروبا وحسب، بل ربما تسعى لتفكيك «الناتو» نفسه، فقد اشترطت الإدارة الأميركية زيادة نسبة إنفاق الدول الأوروبية على ميزانية «الناتو» من 3 إلى 5%.
ويبدو أيضا أن عالم اليوم، حيث أميركا تحاول أن تعيد تاج النظام العالمي إلى رأسها منفردة مجددا، لم يعد عبارة عن عوالم منقسمة اقتصاديا أو أيديولوجيا، كما كان الحال في الحرب الباردة، ورغم انهيار النظام العالمي أحادي القطب الذي يلوح في الأفق منذ سنوات، وهو ما شكل هاجسا لولايتي ترامب وبايدن السابقتين، ويعود ذلك لكون روسيا منافسا عسكريا لأميركا في حين تشكل الصين منافسها الاقتصادي، لكن الفاصل بين أميركا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى لم يعد أيديولوجيا كما كان حاله في الحرب الباردة، لذا فإنه كان لا بد من أن تحاول أميركا البقاء على رأس النظام العالمي، فإنها تذهب، اليوم، إلى عقد الصفقات والاتفاقيات مع المنافسين والأنداد، لتقاسم العالم، إن لم يكن ممكنا السيطرة عليه منفردة، وهنا يمكن أن يكون ذلك على حساب الحلفاء التقليديين، بسبب ضعفهم!
وترامب بفكره العقاري يعتبر الخاسرين هم الضعفاء، وينظر اليهم نظرة دونية، لهذا يستخف بهم، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، بأنه يمكن للأقوياء فقط أن يقرروا كل ما يخص هذا الكون، وترامب باتصاله ببوتين، وتحديد لقائه معه في الرياض من أجل وضع حد للحرب الروسية ــــ الأوكرانية، يكون قد أقر بهزيمة أميركا في مواجهة روسيا، والأمر بالمناسبة لا يمكن أن يكون ناتجا عن دافع شخصي كما يفكر البعض، فأميركا ـــ نقصد الدولة العميقة ــــ دولة المؤسسات، أي «البنتاغون» والمخابرات والخارجية لم تجد ما يمنع من محاولة احتواء روسيا، وكانت تظن بأن فرض العقوبات يمكن أن يؤدي الغرض، بدليل عدم التحضير لحرب عسكرية طويلة الأمد، استمرت على أي حال ثلاث سنوات، بعد أن صمدت روسيا ولم تستسلم بالعقوبات، بعد أن وجدت أسواقا بديلة لنفطها وغازها الذي أقفلت أوروبا أبوابها في وجههما منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
تبدو الولايات المتحدة في عهد ترامب وكأنها وصلت إلى ذروتها البراغماتية، وهي تقدم مصلحتها الخاصة على مصالحها مع الحلفاء والشركاء، سواء أكانوا أولئك الأوروبيين أم من جيرانها، الكنديين في الشمال والمكسيكيين في الجنوب، وعلى الأغلب أن أميركا/ ترامب ـــ ماسك ستذهب لعقد صفقة أخرى مع الصين، تكون على حساب تايوان، كما كانت الصفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا، ومن يدري قد يتتابع سقوط حجارة دومينو حلفاء أميركا واحدا تلو الآخر، إلى أن يتوقف عند حدود الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
هنا لا بد من التوقف طويلا ومطولا، وعلينا أن نستذكر ليس التصريحات ولا المواقف، بل القرارات، وليس تلك الخاصة بترامب شخصيا ولا حتى بأعضاء إدارته الذين اختارهم واحدا تلو الآخر ليكونوا «متطرفين» على شاكلة فانس، بل يشمل كل الجمهوريين، ونقصد بالطبع حكام الولايات وكذلك الأغلبية الحالية في الكونغرس بمجلسيه من الشيوخ والنواب، وهي أغلبية جمهورية، توفر لترامب إدارة شبه مطلقة، وتفرض في الوقت ذاته عليه أن يبقى على ما هو عليه، من ولاء وانحياز لإسرائيل، حتى وهي محكومة باليمين المتطرف، وأن يتجاوز امتعاضه الشخصي من بنيامين نتنياهو الذي تولد عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية العام 2020.
علينا أن نستذكر كيف أن الجمهوريين في الكونغرس كانوا يعارضون قرارات بايدن بمنح أوكرانيا المعونات العسكرية، في الوقت الذي كانوا يطالبون فيه بمنح إسرائيل أكثر مما تحتاج إليه، وهي تشن حرب إبادة جماعية، عرضتها للمساءلة القضائية الدولية، والتي لم تنتهِ بتوجيه التهمة رسميا لرئيس حكومتها ووزير دفاعها بصفتهما الرسمية كمجرمي حرب، ما دفع بايدن لأن يقدم للكونغرس مشروع قرار بحزمة مساعدات مركبة أو مزدوجة، أي لأوكرانيا وإسرائيل معا، حتى يفرض على أعضاء الكونغرس الجمهوريين أن يصوتوا مع مشروع القرار، ويأخذ بذلك أوكرانيا في «عروة» إسرائيل.
قد تذهب إدارة ترامب في وسم السياسة الدولية بسمة «البزنس» الخاصة، إلى أبعد مدى، لكنها قد تتوقف عند حدود إسرائيل، وذلك يعود إلى سببين، أولهما بالطبع هو طبيعة ترامب وطبيعة حزبه الجمهوري اليمينية المحافظة، التي ما زالت ترى في إسرائيل مصوتا داخليا، أكثر منها دولة خارجية، أو حليفا أجنبيا، بل كما لو كانت قاعدة عسكرية خارج الحدود، أو كما لو كانت حاملة طائرات مثل «أيزنهاور»، أو «هاري ترومان» المتنقلة في المحيطات والتي تضع الأقدام الأميركية حيث ترسو على شواطئ دول العالم.
وثانيهما هو رخاوة الحالة العربية، فحيث إن ترامب يحسب مواقفه السياسية بالمقابل المالي، ويمكنه أن يراجع حساباته حتى لو كانت تخص إسرائيل في حال كان المقابل خسارة مالية، وهو على أي حال حتى في إعلانه الصاخب عن وضع يده على غزة، كان ينظر لما سيحققه من عائد مالي، بتحويل غزة لريفييرا الشرق الأوسط، ومما سيسطو عليه من غاز مكتشف في بحرها، وهنا توجد ورقة قوة بيد العرب تتمثل في أنهم لا يصدرون شيئا لأميركا، ولا يستوردون منها شيئا، ولم تعد هناك مخاطر عسكرية تهدد الخليج، بل أكثر من ذلك يمكنهم أن يستجيبوا للتوجه الأوروبي المهم نحوهم بإعداد الخطة الخاصة بغزة والمضادة لخطة ترامب، وذلك وفق ما ذكرته صحيفة «فاينانشال تايمز» التي نسبت للرئيس الفرنسي قوله بضرورة التوصل لخطة أكثر ذكاء من خطة ترامب.
ومن المؤكد أن أوروبا تنتظر الخطوط العامة لخطة الخماسي العربي التي ستنعقد في الرياض للرد على خطة ترامب بخصوص غزة، والتي ستأخذ زخما هائلا حين تتحول إلى خطة عربية شاملة، بتظهيرها من قبل القمة التي ستعقد بعد أسبوع من خماسي الرياض، حيث من الواضح بأن العرب والأوروبيين بات بينهما قاسم مشترك، وهو التحرر من «تبعية الموقف الأميركي»، خاصة فيما يخص علاقته مع إسرائيل، ومن ثم رؤيته للعلاقات الدولية.
أما كيف سيكون حال أميركا دون حليفها الأوروبي، فقد تكون الإجابة لدى زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد جيمي كارتر، حيث قال: روسيا دون أوكرانيا دولة كبرى، أما مع أوكرانيا فهي دولة عظمى، وأميركا طالما كانت الدولة الأعظم مع أوروبا، فهل تكون دونها مجرد دولة كبرى؟!