هل يفكّر نتنياهو بأبعاد اعترافات ترامب؟

طلال عوكل
هل يفكّر نتنياهو بأبعاد اعترافات ترامب؟
بينما يواصل بنيامين نتنياهو، بل دولة الاحتلال التي يقودها «الائتلاف اليميني» المتطرّف، حروبه، فإنه يضع الكيان على جرف إستراتيجي.
الأهداف التي تتمسّك بها حكومة الجرائم والإبادة، وبالوسائل المعتمدة، تفيض عن قدرتها، على التحقيق، حتى لو بدا أنها قادرة حتى الآن على مواصلة عربدتها على أرض فلسطين التاريخية، وفي محيطها القريب.
العرب، حتى وإن بدا أنهم، في حالةٍ من الرخاوة، أو المرونة غير المقبولة، فإنهم لم يعودوا، عرب القرن المنصرم.
لا يمكن المراهنة على ما يبدو أنه تواطؤ، أو صمت أو تخاذل أو حتى تعاون من الباطن بين بعض الأنظمة والدولة العبرية، فالمنطقة التي يتحدث عنها نتنياهو، على أنها ضمن هدف «إسرائيل الكبرى»، أكثر صعوبة من أن تهضمها معدته، التي تفشل حتى الآن وبعد ما يقرب من سنتين على هضم قطاع غزّة.
لا يدرك نتنياهو وحكومته الفاشية، أن ليس العرب من تغيّروا عمّا كانوا عليه في القرن المنصرم، بل إن العالم كلّه يتغيّر، والنظام الدولي أُحادي القطبية يتغيّر.
حتى الولايات المتحدة الأميركية، التي أمّنت ولا تزال تؤمّن له كل أسباب الدعم والحماية، وتوظف كل إمكانياتها السياسية، والعسكرية والأمنية، وعلاقاتها الدولية، في إطار يصل إلى مستوى الشراكة، حتى أميركا تتغيّر في غير صالح المغامرة الرهيبة التي يقودها نتنياهو.
دونالد ترامب الذي يواصل دعمه الكامل للسياسة الإسرائيلية، يقدم اعترافات خطيرة، بشأن ما تقوم به دولة الاحتلال. حين يقول ترامب، إن إسرائيل قد تربح الحرب لكنها تخسر على مستوى العلاقات الدولية، فإن استخدام كلمة قد يعني أنه لم يعد يثق بإمكانية أن تربح الأخيرة الحرب.
ترامب، بينما يعلن أن إسرائيل هي صاحبة القرار بشأن ما تقوم به في القطاع، فإنه يبدي دهشته من التغيّرات التي طرأت على مكانتها داخل السياسة الأميركية، ويحذّر من أن نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس لم يعد كما كان في الماضي وأن الدعم الشعبي، خصوصاً بين «الجمهوريين» الشباب يشهد تراجعاً واضحاً.
أكثر من ذلك فإن ترامب يحذّر من أن استمرار الحرب في غزّة يضرّ بصورة إسرائيل.
إن كان ترامب يشخّص هذا الواقع في بلاده باعتبارها الحصن الحصين، لدولة الاحتلال، وجماعات الضغط، ومن يواليها، فإن ما يجري على صعيد أوروبا والعالم، بالتأكيد يتجاوز هذا التشخيص سلباً في غير مصلحتها.
على خطّ موازٍ، يشير أستطلاع للرأي أجراه مركز «بيو»، للأبحاث في آذار الماضي إلى أن 53% من الأميركيين لديهم نظرة سلبية تجاه الدولة العبرية، وأن نصف «الجمهوريين» تحت سن الخمسين ــ أي جيل الشباب والمستقبل ــ يتبنّون موقفاً غير إيجابي، أيضاً، تجاهها.
يؤكّد هذه المتغيّرات، تقرير صادر عن معهد الأبحاث القومي في جامعة «تل أبيب»، ويحذّر من تراجع التأييد لدولة الاحتلال بشكل كبير في صفوف ناخبي الحزبين «الديمقراطي» و»الجمهوري» وأن مكانتها في أميركا تواجه أزمةً غير مسبوقة.
هذه المؤشّرات، كانت ستفرض على إدارة أو حكومة أخرى أن تتخذ سياسات غير التي لا يزال ويصرّ ترامب على ممارستها، ولكن إن كان نتنياهو يراهن على وجود ترامب في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع لتحقيق أهدافه الإستراتيجية أو أوهامه، فإن أميركا بعد تلك السنوات لن تكون هي ذاتها اليوم.
أميركا التي يسند نتنياهو ظهره عليها، تواجه أزمة عميقة نتيجة التداعيات التي تتركها سياسة الإدارة على الأوضاع الداخلية، وتزيد من حدّة الاستقطابات والانقسامات، ومصادرة أو تقييد الحريات، ومحاولة تجريف الدولة العميقة.
وخارجياً، تضع الولايات المتحدة نفسها إلى جانب دولة الاحتلال من حيث العزلة، فقد فشل الرئيس ترامب في إحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا، وفشل في إحلال السلام وإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، وحتى أنه فشل في المحافظة على حليفته الهند التي اصطفّت إلى جانب روسيا والصين وكوريا الشمالية.
فشلت الإدارة الأميركية في تدمير البرنامج النووي الإيراني وإسقاط أو إضعاف النظام، وفشلت في تأمين الحماية لطرق التجارة العالمية في باب المندب والبحر الأحمر، وبحر العرب.
ويمضي التساؤل أكثر حول وعود ترامب بضمّ كندا، وقناة بنما، ونيوزيلندا، وحتى حربه على الهجرة غير النظامية.
دولة الاحتلال في ورطةٍ تاريخية، وكذلك الحال بالنسبة لأميركا، فإن كان مصيرهما مرتبطا، فإن نتنياهو يجرّ كيانه إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ربّما لا يدرك «الائتلاف الحكومي» في دولة الاحتلال، المخاطر التي تترتّب على استمرار هذه المغامرة شديدة الخطورة، ولكن أميركا عليها أن تقوم بما يترتّب عليها، وتستطيع القيام به إن كانت حريصة على مدلّلتها.
أوروبا بدأت تدرك هذه الحقائق، وإن كان ببطءٍ إلّا أنها، أصبحت أشدّ إدراكاً، إزاء كيفية ضمان وجود الكيان الكولونيالي وحمايته من خلال «حل الدولتين»، الذي لا سبيل غيره، لبقائه.
في هذا السياق، ينبغي أن يكفّ الفلسطينيون عن التوسّل للإدارة الأميركية، أو مواصلة انتظار دور إيجابي مختلف إزاء ما تشهده المنطقة، وما تتعرّض له القضية الفلسطينية بسبب المغامرات الإسرائيلية.
في هذا الشهر، من المنتظر أن تقدّم الجمعية العامة للأمم المتحدة المزيد من الإشارات، على تدهور مكانة الدولة العبرية في العالم.