- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
يُصرّ نتنياهو على المضي قدماً على طريق ضمّ 30% من الضفة الغربية، لكنه على ما يبدو سيكون مضطراً لتحقيق ذلك عبر خطوات متدرّجة نظراً للمعارضة الواسعة والمتنامية لقرار الضم. الموقف الأميركي مرتبك، والأوروبي كذلك، على الرغم من أن غالبية دول الاتحاد ترفض الضم، وتهدد باتخاذ إجراءات عقابية في حال أقدمت إسرائيل على ذلك.
الموقف العربي والإسلامي واضح، على الرغم من استمرار بعض الاختراقات التطبيعية، والموقف الفلسطيني حاسم. ثمة معارضة واضحة وتتسع لأسباب ودوافع مختلفة، ولا يوجد تطابق في مواقف الشركاء الأساسيين في الحكومة الإسرائيلية التي تتراجع الثقة بإمكانية استمرارها؛ بسبب النوايا الذاتية الخبيثة لرئيسها الحالي.
يعتقد نتنياهو أن «أزرق - أبيض»، ليس أمامه سوى واحد من خيارين، فإما الانصياع الكامل لكل ما يريده نتنياهو، أو أن تفرط الحكومة ويذهب الجميع إلى انتخابات رابعة. ثمة ما يغري نتنياهو للذهاب إلى انتخابات رابعة يحقق من خلالها إعادة ترتيب القوى بما يسمح لليكود أن يشكل حكومة مرتاحة بأغلبية واضحة مع حلفائه من التكتل اليميني المتطرف، بينما يخسر بني غانتس حلفاءه السابقين في «أزرق - أبيض»، وتتراجع حصته في الكنيست.
«جيروسالم بوست» نشرت استطلاعاً حديثاً للرأي حول ما يمكن أن تسفر عنه انتخابات في هذا الوقت. الاستطلاع يعطي الليكود أربعين مقعداً، وله مع حلفائه أربعة وستون مقعداً، وتصبح القائمة المشتركة واجهة المعارضة بحصولها على خمسة عشر مقعداً. الاستطلاع يشير إلى تراجع حزب «هناك مستقبل» بقيادة لابيد إلى أربعة عشر و»أزرق - أبيض» إلى اثني عشر مقعداً، فيما ترتفع حصص اليمين الحريدي. النتائج تقدم صورة مأساوية لحزب العمل الذي سيخرج من التاريخ، حيث لا يصل إلى نسبة الحسم حسب الاستطلاع. أما بالنسبة لـ»إسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان فإنه بحصوله على تسعة مقاعد سيخرج من دائرة التأثير في تشكيل حكومة.
في إطار المعارضة لقرار الضم يلفت النظر على نحو خاص ما يراه روني شاكيد الذي نشر مقالاً في «يديعوت» يقول فيه: «إن الضم يضع إسرائيل على طريق التدمير الذاتي. يضيف شاكيد: إن الضم ليس خطوة هدفها خدمة المصالح الأمنية، بل هي تحقيق لأيديولوجيا قومية وجعل إسرائيل قيمة عليا فوق الرؤية الصهيونية التي تشكل الحل للشعب اليهودي في «أرض إسرائيل»، وليس «أرض إسرائيل» للشعب اليهودي فلقد فقد غور الأردن كحدود أمنية أهميته التي كانت قبل الصواريخ.
اللواء المتقاعد والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي يعقوب عميدور يؤكد أن الضم لن يفيد إسرائيل بأي ناحية عملية، فهو لن يجعل الحياة أسهل للجيش والمستوطنين.
ثمة عدد قليل من جنرالات الجيش والأجهزة الأمنية السابقين والحاليين، يتفقون في الرأي الذي يرى في قرار الضم خطوة عبثية ويحذرون من تداعياتها. على أن ما ورد في مقالة شاكيد وكان قد شبّه نتنياهو بقادة متعصبين متطرفين مصابين بجنون العظمة سببوا الخراب والسحق لشعوبهم، إنما يشير على نحو قد لا يكون واضحاً اليوم، من أن مجمل السياسات الإسرائيلية تقود إلى نتيجة بأن القلعة تتجه نحو التدمير الذاتي. نتجاوز عن مغالطة شاكيد بأن فلسطين هي وطن الشعب اليهودي كلها أو أجزاء منها، وأيضاً نتجاوز رأيه بأن الرؤية الصهيونية تقف عند الحدود الجغرافية التي قامت عليها إسرائيل عام 1948، فالمخطط الصهيوني يشمل كل أرض فلسطين التاريخية ويتجاوزها إلى ما هو أبعد في المحيط العربي. في الحقيقة، إن سياسة الضم، يفترض أن تتبعها سياسة تهجير ناعمة أو قسرية تمتد لسنوات وربما لعقود، الأمر الذي يعطي تفسيراً واضحاً لا لبس فيه لأبعاد قرار القومية الذي أقره الكنيست في وقت سابق.
في ظل هذه السياسة يصبح الاعتقاد بأن إسرائيل يمكن أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في الوقت ذاته، والإلحاح على يهودية الدولة يعكس في مضامينه وفي آليات تحقيقه أبعاداً عنصرية لا يمكن تجميلها أو إخفاؤها، وسواء استقر الحال على دولة تبدو على أنها ثنائية القومية، أو اتجهت نحو التخلص من القومية الفلسطينية، فإن النتيجة واحدة، وهي أن إسرائيل تتحول إلى دولة أبارتهايد وتمييز عنصري قومي وديني وأخلاقي، هذا ليس مجرد استنتاج نظري على أهمية ذلك، وإنما تدعمه وقائع السياسة الإسرائيلية بحق الأقلية الفلسطينية من مواطني دولة إسرائيل الذين يشكلون خُمس عدد السكان حتى مع احتساب غير اليهود وهم بمئات الآلاف.
مثل هذا الاستخلاص، الذي يستند إلى حقيقة أن إسرائيل تدفع الأمور نحو الصراع المفتوح والشامل على كل الأرض والحقوق، يدعو للتأمل، ويحفز الفلسطينيين لتشديد كفاحهم وإعادة ترتيب أدواتهم ورؤيتهم، للتعجيل في اختصار الزمن والثمن.