- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
هكذا فجأة ولكن ليس بدون مقدمات ودوافع وأهداف، ترتفع في فضاءات العالم أسهم فيروس يطغى على كل الأسماء والدول والمشاهير، ليتربع على رأس قائمة المشاهير.
لا يستهتر الفيروس المتوحش بأقرانه من أسلحة الدمار الشامل، المخزونة لدى العديد من دول العالم، ويمكن في حال تفعيلها أن تدمر الكرة الأرضية بضع مرات، لكنه السلاح الممكن استخدامه ويتيح لمن يملكون القوة بأن يعيدوا صياغة معادلات القوة الدولية، وأن يعيدوا صياغة الفكر والاستراتيجيات السياسية، والقيم التي تنبني عليها المجتمعات.
يكشف الفيروس المتوحش ادعاءات قيمية بقيت لفترة طويلة من الزمن سلاحاً لتغذية الصراعات وإشعال الفتن داخل المجتمعات وبين الدول. الأمر يتعلق بصدقية الالتزام بحقوق الإنسان وبالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وحدود الاستقلالية في ظل التقدم التكنولوجي الهائل، الذي جعل العالم قرية كونية صغيرة، تتجاوز التعاملات فيها كل الحدود الطبيعية والمصطنعة.
ثمة دلالات عميقة للطريقة التي تتعامل من خلالها الدول المتقدمة أساساً مع الانتشار السريع للفيروس، إذ لا يمكن تجاهل تصريح لرئيس الوزراء البريطاني جونسون، الذي دعا مواطنيه للاستعداد لوداع أحبابهم أو لتصريح رئيس الوزراء الإيطالي الذي قال إن الفيروس خرج عن السيطرة في بلاده وبقي الأمر بيد السماء.
لا تعكس مثل هذه التصريحات أي أبعاد إيمانية بقدر ما أنها تعكس رؤى تخدم سياسات ومصالح للمتربعين على عرش رأس المال الاحتكاري وصناع القرار عند من يتحملون العبء الأكبر من المسؤولية عن حياة سكان الأرض.
مقابل ذلك تقف قيم أخرى تشمل أغلبية سكان الأرض، وفي مقدمتهم الصين التي يسكنها ما يقرب من خمس سكان الكرة الأرضية، فتظهر حرصاً على حقوق مواطنيها في الحياة وتجند كل إمكانيات الدولة والمجتمع لمحاصرة الفيروس والقضاء عليه.
إذا شئنا أن نصنف الدول العربية فإنها رغم ضعف إمكانياتها في مجال مكافحة الأوبئة أو الأسلحة البيولوجية، فإنها تنتمي إلى الفريق الذي يحرص على حياة الإنسان، ولذلك فإن معظمها سارعت لاتخاذ إجراءات فعالة لمحاصرة الوباء، وحصنت نفسها من مربعات احتضان الفيروس.
اليوم في ضوء الانتشار السريع للفيروس وتباين سياسات مواجهته تظهر مدى أنانية بعض السياسات والاستراتيجيات، ويظهر مدى هشاشة المنظومات الدولية الجماعية في مواجهة ما يتعرض له الجميع بدون استثناء.
ربما كان النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واحداً من الاستهدافات لإعادة بناء نظام دولي مختلف يشهد تنافساً قوياً بين عالم القطبية الواحدة وعالم تعدد الأقطاب. هذه العملية التي تتم قسراً لم تبدأ بظهور وانتشار الفيروس، سواء كان ذلك بفعل فاعل أو كان ظهوراً طبيعياً، وإنما بدأ منذ أن قررت الولايات المتحدة استهداف دور الأمم المتحدة ومؤسساتها، حتى لا تقوى على القيام بالحد الأدنى من مسؤولياتها إزاء حماية السلم والأمن الدوليين.
ويظهر اختلاف السياسات في مواجهة الانتشار السريع للفيروس، الذي يهدد حياة الملايين خصوصاً من كبار السن، الاختلال الكبير والفاضح لمدى اهتمام دول كثيرة بملف الصحة العامة، لصالح تخصيص موازنات ضخمة لإنتاج وتجارة الأسلحة ووسائل الدمار كقطاع يدر الكثير من الأرباح على حساب أرواح البشر، ولولا ذلك لما كان لهذا الفيروس أن يستبد إلى هذ الحد باستقرار وحياة الناس على هذا القدر الشامل.
الفيروس لا يزال يتجول وينتقل بسرعة، عابراً للحدود ومتجاوزاً كل القيود ويفرض أحكامه على الجميع بدون أن يحدد موعداً لتوقفه، فهل من يتنطح للمسؤولية عن وقف تغوله على البشرية؟