على باب المستشفى أوقفني رجل الأمن المكلف بتنظيم دخول سيارات الزائرين، وسألني إن كنت قادماً لمراجعة العيادات أم لزيارة مريض.
أبلغته أنني هنا لأزور صديقي الفلسطيني المصاب بجلطة في القلب، وأعطيته اسم المريض المقيم في جناح العناية الحثيثة.
تناول رجل الأمن كشف المرضى، وحدق فيه طويلاً قبل أن يجيب: لا يوجد في المستشفى مريض يحمل اسم رياض.
قلت له: أرجو أن تتأكد من الكشف مرة أخرى، فقد زرته في العناية الحثيثة أمس، وكان راقداً على السرير رقم ستة. ربما يكون الأطباء قد قرروا نقله إلى غرفة عادية.
عاد الرجل إلى كشف الزائرين وتفحصه مرة أخرى ليعيد التأكيد: لا يوجد مريض بهذا الاسم، لذا فإنك ممنوع من الدخول بسيارتك.
هاتفت صديقي المريض الفلسطيني على هاتفه النقال، فرد علي سريعاً ليؤكد أنه ما زال في جناح العناية الحثيثة في المستشفى الذي ينكر رجال الأمن وجوده فيه.
أوقفت سيارتي خارج المستشفى، وتسللت إلى مدخل المستشفى، وصعدت إلى الطابق الثاني حيث جناح العناية الحثيثة. وهناك رأيت صديقي رياض ممدداً على السرير رقم ستة، وكان واضحاً أنه ما زال مجلوطاً، وما زال بحاجة إلى الدواء والعناية والاعتراف بوجوده في المستشفى.
بعد وقت قصير حضرت ممرضة متجهمة لتبلغي بنبرة حاسمة بأنني مكثت أطول مما يجب في هذه الزيارة، وتختم بالقول إن علي المغادرة الآن والعودة في وقت لاحق، إن أردت، شريطة الحصول على تصريح زيارة من قسم الاستعلامات الموجود في الطابق السفلي.
نزلت إلى قسم الاستعلامات لأسأل عن إمكانية مقابلة مدير المستشفى، فاستجوبتني الموظفة المكلفة بالتعامل مع الجمهور عن سبب طلب المقابلة.
أبلغتها أن لدي شكوى تتعلق بإنكار رجال الأمن وجود صديقي المريض الفلسطيني في المستشفى. سألتني عن اسم المريض ثم تناولت نسخة قسم الاستعلامات من كشف أسماء المرضى، حدقت فيه طويلاً، ثم التفتت إلي لتبلغني بصوت واثق: لا يوجد مريض لدينا يحمل اسم رياض.
صدمني الرد، وأقسمت لها بأنني كنت معه للتو في جناح العناية الحثيثة، وأنه يرقد هناك على السرير رقم ستة. ردت بنبرة حاسمة: الكشف لا يكذب. تستطيع التأكد بنفسك، وناولتني الكشف الخالي من اسم المريض الفلسطيني.
لم يكن اسم رياض مدرجاً في كشف المرضى، ولم يرد أحد أن يصدق ادعائي بوجوده في المستشفى.
غادرت المستشفى، وأنا متشكك بأن كل ما حدث مجرد حلم، وأنني سأصحو منه لأكتشف أن صديقي الفلسطيني ليس مريضاً، ولم يصب بجلطة، ولم ينقل إلى هذا المستشفى. لكن رنين هاتفي النقال بدد هذا الشك، فقد كان المتصل هو رياض الذي طلب مني أن أحضر له وجبة محترمة عند زيارتي له مساء، لأنه لم يحب طعام المستشفى.
في المساء كنت أتسلل مرة أخرى إلى الطابق الثاني في المستشفى، وأنا أحمل بعض الشطائر لصديقي الجائع في جناح العناية الحثيثة.
كان رياض قد تعافى قليلاً، وأقبل على الشطائر بشهية كبيرة، بينما وقفت الممرضة المتجهمة لتحذره من خطورة هذا الطعام على شرايينه المجهدة، وأن عليه الالتزام بما يقرره له الأطباء من طعام.
بعد أيام تعافى المريض الفلسطيني من الجلطة، واطمأن إلى بقائه على قيد الحياة، وإن كان غير موجود على كشف أسماء المرضى.
لم يصدق ما قلته له عن خلو كشف المرضى من اسمه، واستخف بنصيحتي له بأن يرتدي ملابسه ويغادر المستشفى دون دفع الفاتورة. وعندما رجوته أن يجرب، قرر الاستجابة، ورافقني في محالة الخروج الآمن، لكن حدث ما لم نكن نتوقعه، فقد ضبطنا الأمن ومنعنا من المغادرة قبل دفع الفاتورة.
حاججتهم بإنكارهم المتكرر لوجود صديقي المريض الفلسطيني في المستشفى، فردوا بأن كل ما يستطيعون الاعتراف به هو وجود مريض.. أما فلسطينيته، فلم يصلهم أي قرار بالاعتراف بها.
غادر رياض المستشفى وعاد إلى الحياة ليجهد في البحث عمن يعترف بوجوده.