- شهيد وإصابات بقصف من مسيرة إسرائيلية لمواطنين في شارع أبو "حسني" شرقي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة
شكّلت الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2023-2024 اختباراً حقيقياً لصلابة الاقتصاد الإسرائيلي الذي طالما وُصف بالمرن والمزدهر. فقد كشفت هذه الحرب عن أزمة بنيوية عميقة تمتد جذورها إلى التداخل المعقّد بين الأمن والاقتصاد، وسيطرة النخبة العسكرية على مسار الإنفاق العام. يعكس الوضع الراهن ليس فقط كلفة الحرب المباشرة، بل فشل السياسات المالية طويلة الأمد، والتناقضات المتجذرة في علاقة المؤسسة العسكرية بالمؤسسات المدنية.
وقد تجليت ابرز مظاهر الاثار التي ترتبت عن اثر الحرب علي الاقتصار بالتالي:
1. تفاقم العجز المالي وارتفاع النفقات
ارتفع العجز في الموازنة العامة لإسرائيل إلى 8.1% خلال عام واحد، أي ما يعادل 155 مليار شيكل، متجاوزًا السقف المحدد في قانون الموازنة لعام 2024 والبالغ 6.6%. وقد ترافق هذا مع قفزة في الإنفاق الحكومي بنسبة 32.8% مقابل زيادة ضئيلة في الإيرادات بنسبة 3.1% فقط.
تجدر الإشارة إلى أن حتى النفقات المدنية، بمعزل عن كلفة الحرب، ارتفعت بنسبة 8.7%، ما يعكس خللاً هيكلياً في ممارسات الصرف العام، وتغوّلاً مستمراً للمؤسسة العسكرية على موارد الدولة تحت ذرائع “الأمن القومي”【1】.
2. أزمة التكنولوجيا: انهيار إنتل نموذجاً
تُعد “إنتل” من أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تمثل 2% من الناتج المحلي و6% من صادرات التكنولوجيا. غير أن تأثير الحرب، إلى جانب التباطؤ الاقتصادي العالمي، أدى إلى:
• تسريح 15 ألف موظف عالمياً، بينهم 10% من إسرائيل.
• تجميد استثمارات بقيمة 25 مليار دولار في مصنع “كريات جات”.
• إفلاس شركات مقاولة محلية مرتبطة بها.
هذا الانهيار يهدد بتراجع رواتب العاملين في التكنولوجيا، ويضعف الشيكل، ويزيد المخاوف من تكرار السيناريو مع شركات كبرى مثل “سيسكو” و”سامسونغ”.
3. الاستثمار والتصنيف الائتماني في مهب الريح
شهدت إسرائيل تراجعًا بنسبة 60% في الاستثمار الأجنبي في الربع الأول من عام 2024، بالتوازي مع هروب رؤوس الأموال المحلية نحو الخارج، خاصة صناديق التقاعد. كما تراجعت التصنيفات الائتمانية إلى مستويات تُقارب “السندات غير المرغوب فيها”، وانسحب داعمون كبار مثل بنك “باركليز” من تسويق السندات الإسرائيلية【2】
4. انهيار الشركات الناشئة وهجرة الكفاءات
ما يقرب من 49% من شركات التكنولوجيا ألغت استثماراتها، و40% من الشركات تفكّر في نقل أنشطتها إلى الخارج. وتُسجّل البلاد ارتفاعًا حادًا في “هجرة العقول”، بزيادة 285% منذ أكتوبر 2023، ما يشكّل تهديداً هيكلياً طويل الأمد لقدرة إسرائيل على الابتكار والتنافسية.
5. سياسات تقشفية تفاقم الأعباء الاجتماعية
رداً على الأزمة، تبنّت الحكومة إجراءات تقشفية شملت:
• رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 18%.
• زيادة رسوم التأمين وضريبة الصحة.
• فرض ضرائب جديدة على العقارات والمعاشات.
• تجميد الأجور في القطاع العام وتقليص برامج الدعم الاجتماعي.
وتُقدّر خسائر الأسرة المتوسطة الإسرائيلية بين 8,000–12,000 شيكل سنويًا【3】.
6. بنية الإنفاق الأمني: الجدل المدني العسكري
منذ نشأة الدولة، شكّل الإنفاق العسكري محورًا مركزيًا في موازنة إسرائيل. ومع التحول إلى اقتصاد السوق، تصاعد الجدل بين وزارتي المالية والدفاع حول عبء هذا الإنفاق. حيث ترى وزارة المالية أن الموازنة الدفاعية تُثقل الاقتصاد وتقتطع من التعليم والصحة، بينما تؤكد وزارة الدفاع أن “الأمن هو شرط النمو الاقتصادي”【4】.
وتظهر وثائق رسمية أن العبء الدفاعي الإسرائيلي تراوح في السنوات الأخيرة بين 4–6% من الناتج المحلي، وهي نسبة تُعد الأعلى في العالم بعد السعودية【5】.
ورغم محاولات ترشيد الإنفاق، مثل خطة “جدعون” لتقليص حجم الجيش وتحسين الكفاءة، إلا أن الجيش استمر في طلب اعتمادات إضافية سنوية، ما يعكس ضعف الرقابة المدنية【6】.
7. مركزية الجيش في الاقتصاد الوطني
يُظهر البحث في الأبعاد المالية للعلاقات المدنية-العسكرية أن المؤسسة الأمنية لا تُعد فقط مستهلكًا للموارد، بل تشكل بنية اقتصادية موازية لها مساهماتها في التعليم، الابتكار، الطب، والاندماج الاجتماعي.
لكن هذه المركزية تحجب فرص الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وتُعزز من تغوّل النخبة العسكرية على القرارات المالية، ما يعمّق الهوة بين الأمن والتنمية【7】.
ويشير بنك إسرائيل إلى أن استمرار هذا النهج، خاصة في ظل التهديدات الأمنية الممتدة، قد يدفع بالاقتصاد نحو ركود طويل الأمد ما لم تُعاد هيكلة الموازنة العامة وتقليص الاعتماد على الحلول الأمنية وحدها【8】.
الخاتمة: الاقتصاد الإسرائيلي أمام منعطف تاريخي
الحرب الأخيرة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل كاشفة لأزمة متجذرة في صلب العلاقة بين الاقتصاد والأمن. وفي محتوي وجوهر العلاقة بين المستوي العسكري والمدني الذي طرء علية الكثير من التغير خلال هذة الحرب، وان الانفاق العسكري المتضخم، وهشاشة قطاع التكنولوجيا، وهروب الاستثمارات، كلها مؤشرات على اقتصاد يتراجع من “دولة متقدمة” إلى ما يشبه “اقتصاد الحرب الدائم”.
وإذا لم تتم مراجعة شاملة لبنية الإنفاق العام، وإعادة ضبط العلاقات بين المؤسسة العسكرية والمالية، وتحديد رؤية متوازنة للأمن القومي تشمل الاقتصاد والمجتمع، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم، وقد تنقل إسرائيل من مركز القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط إلى حالة عدم استقرار بنيوي يصعب التعافي منها.
ان هزيمة الدول تبدء مراحلها الاولي عندما لا يقوي اقتصادها علي تحمل نفقات مؤسستها العسكرية والامنية التي تاني علي حساب النفقات الاجتماعية والصناعية والصحية ونفقات التعليم والبحث العلمي مما يحول دون التطور والنمو مما يزيد العبء الاقتصادي علي الدولة ومواردها الاقتصادية. واخيرا هل ينجح الاقتصاد في وقف الحرب والعدوان علي شعبنا في حين فشلت كل محاولات الضغط التي مارسها الوسطاء علي حكومة اليمين الفاشي الحاكم في اسرائيل ؟
الهوامش
1. شمؤول إيفن، الجدل حول موازنة الأمن في إسرائيل، مركز دراسات الأمن القومي، 2015.
2. تقرير “Calcalist”، 2024، حول انسحاب بنك باركليز من سندات إسرائيل.
3. وزارة المالية الإسرائيلية، نشرة الضرائب 2024.
4. شموئيل إيفن، نفقات إسرائيل الدفاعية، مركز INSS، فبراير 2010.
5. مركز ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI، تقرير 2022.
6. تقرير لجنة بروديت، 2007، حول ضعف الكفاءة في إدارة الموازنة العسكرية.
7. دراسة مركز الزيتونة، صناعة القرار الإسرائيلي: العلاقات المدنية العسكرية، 2021.
8. بنك إسرائيل، تقرير الأداء الاقتصادي 2024.