الطفلة ورد جلال الشيخ خليل، الناجية الوحيدة من محرقة مدرسة فهمي الجرجاوي، التي تم قصفها بأربعة صواريخ، سقطت مباشرة على مركز الإيواء، وقد ظهرت في الصورة وهي بين لهيب النيران الحارقة التي قضت على أكثر من ثلاثين شهيدًا، وعشرات الجرحى في لحظة، فكانت الناجية التي نجت من الحرق والموت، المصابة بكل آهات الفقد والخوف والرعب الذي سيسكنها طوال عمرها، فما من كلام يصف تلك اللحظات المرعبة التي عاشتها الصغيرة، وما من شيء يمكن أن يخفف عنها مُصابها، وكيف يمكن أن نقول لها لا تحزني وقد فقدت عائلتها، أو نقول لها لا تخافي، وقد عاشت كل أشكال الخوف والرعب بين النيران، وكيف يمكن أن نضمد أوجاعها ورجفة قلبها، وقد كانت تتعثر بالأشلاء المحترقة بين لهيب النيران.
لحظات قاسية عاشتْها الصغيرة ورد، وسط النيران المشتعلة في كل المبنى الذي تحول من مدرسة إلى مركز للإيواء بفعل الخراب والحرب، وقد تم الاعتداء الآثم بأربعة صواريخ سقطت مباشرة من طائرات الاحتلال على رؤوس النازحين الذين احتموا بجدران المدرسة، بعدما انهارت بيوتهم وتم تدمير منازلهم، فلم يبقَ لهم سوى زوايا ضيّقة في مراكز الإيواء والخيام، فصار الموت يطاردهم ويهجم عليهم كل حين، وأصبحت النجاة في غزة معجزة.
الطفلة ورد، لم تكن سوى صورة واحدة من مشهد طويل مروع، وما أبشع الصور وما أكثرها خلال فصل الإبادة والتطهير العرقي الذي يعيشه الناس في غزة، فهم وسط المقتلة يعيشون في انتظار المعجزة، ويبحثون عن النجاة، وأن يتدخل العالم لوقف هذه الإبادة التي تقتلهم كل الوقت، ومع مرور الوقت فإن المعاناة تزداد وتتسع عمليات القتل البشعة.
ورد طفلة شاهدها العالم وهي تحاول الخروج من بين لهيب النيران المشتعلة، تتعثر خطاها بالأجساد التي احترقت، وتتنفس دخان الحريق، وقد التقطت عين الكاميرا تلك اللحظات لعل عين العالم تصحو وتخرج عن صمتها، وتفرض وقفًا عاجلًا للمقتلة. ورد طفلة نجت بأعجوبة وقد أكلت النيران أجساد عائلتها وعائلات أخرى كانت تنام في مركز الإيواء الذي حولته عملية القصف إلى محرقة.
ورد الناجية من بين النيران المشتعلة حالها كحال آلاف الأطفال الذين يعيشون تحت الخوف والقصف والجوع والمعاناة، فلم تتوقف فصول الألم ولم تهدأ نيران القصف، وكانت اللقطة شاهدة على هول المحرقة التي اشتعلت في مركز الإيواء، فكانت جهنم الحرب تحاصر الناس وهم يموتون حرقًا، بينما تخرج ورد لتكون الناجية الوحيدة، التي شاءت الأقدار لها أن تحيا، لتشهد الفقد، وتعيش ذروة الألم، وتنجو بمعجزة.