- طائرة مُسيّرة "كواد كوبتر" تطلق النار باتجاه المناطق الشرقية من حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة
- زوارق الاحتلال الحربية تطلق النار غرب مدينة غزة
- قوات الاحتلال تطلق النار على شاب وتعتقله في نابلس
الدعوة التي أطلقها نشطاء حول العالم للعصيان المدني والنفير العام تضامنا مع قطاع غزة وفضح ممارسات الاحتلال، تحت عنوان «عصيان مدني حتى تتوقف الإبادة»، لاقت التجاوب الذي تستحقه في لحظة ظهر فيها تراجع الحراكات وأشكال التضامن العالمية في عديد الأقطار وخفت حدتها وخفت صوتها، حتى في الضفة الغربية، لأسباب عديدة قد يكون من بينها: الاعتياد على مشهد الدم والدمار والمعاناة التي لم تتوقف لحظة واحدة، وربما الإصابة بعدوى اليأس والإحباط أمام عدو غاشم فالت من العقاب بسبب التواطؤ الدولي، وكلا السببين يرتبط بعلاقة وثيقة بدور فلسطيني ضعيف ومنقسم على نفسه لم يرتقِ لتضحيات غزة.
اعتادت الشعوب اللجوء إلى الإعلان عن توجهها إلى العصيان المدني أو الإضراب، ولكليهما معنى خاص به وسياقاته وأهدافه، وربما نسوق أبرز الأمثلة التاريخية على ما قدمته الشعوب وتجاربها لممارسة العصيان، سيبرز العصيان الذي قاده الزعيم مارتن لوثر كنغ مع المواطنين من أصل إفريقي في ستينيات القرن الماضي، من أجل حقوقهم المدنية والمساواة، وما مثله العصيان المدني «ومسيرة الملح» في الهند بقيادة الزعيم المهاتما غاندي ضد الاستعمار البريطاني مثبتاً للعالم عدالة قضية شعبه والإضاءة عليها، مهدت لاستقلال الهند، ولا يمكن المرور دون التوقف أمام دور العصيان المدني واستخدامه كأداة سياسية من قبل الزعيم نيلسون مانديلا في كسر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
الحراك الناجح الذي دعا له النشطاء في حركات مناصرة القضية الفلسطينية حول العالم، يستحق فتح النقاش النشط حوله وتقييمه وصولاً لاستدامته، في فلسطين وفي سائر أنحاء العالم، كأحد وسائل الضغط القوية على عواصم القرار والمستويات الرسمية في العالم، وحث الرأي العام العالمي على كسر الصمت على قتل المدنيين والظلم والمعاناة البشرية المعروض فصولها أمام العالم، بلا حسيب أو رقيب، ومن باب أولى أرى أن على الفلسطينيين تقييم تفاعلهم مع الحدث العالمي المهم والبناء عليه، ويدفع إلى تقديم الملاحظات التالية:
أولاً: بادئ ذي بدء، لا بد أن الجميع يتفق على أن الساحة الفلسطينية لا بد أن تكون بؤرة العمل لأنها في مركز الاستهداف، بينما تشير الحقائق إلى أن قوى العمل الوطني بما فيها الفصائل والأحزاب محجمة عن تقديم رؤيتها واقتراحاتها، بل لوحظ تأخرها في الاستجابة للدعوة العالمية، بسبب هواجسها وبحثها عمن يقف خلفها ودوافعه، البحث عن أسباب خارج حدود التضامن مع غزة ووقف الإبادة التي تتعرض لها منذ أكثر من عام ونصف العام، كونها خارج إطار حملات التضامن تاركة الفراغ لمن يملؤه.
ثانياً: لا بد من فحص معنى العصيان المدني والإضراب ضمن السياق الفلسطيني، فالعصيان المدني يتركز على الرفض الشعبي الجماعي والمنظَّم والممتنع عن تطبيق القوانين والأوامر والتعليمات الظالمة وفق الاعتبارات الخاصة من طبيعة محلية، كأداة من أدوات صناعة التغيير السياسي، بينما يختلف الإضراب وسبل التعاطي معه وتجسيده من خلال التوقف المنظم والجماعي عن العمل، ومن شأنه مع ممارسته لفترة زمنية معينة بانتظام من تحقيق أغراضه وأهدافه وأن يكون له التأثير المقصود، في الساحة الفلسطينية أرى أن يكتسب الحراك المنظم معاني التضامن مع غزة بالضغط لاستعادة وحدة النظام الفلسطيني وإنهاء الانقسام على قاعدة الاتفاقات الموقعة وآخرها اتفاق بكين الذي طور على الاتفاقيات ضمن سياق جريمة الإبادة الجماعية وما بعدها، وأن تتولى قيادته الأحزاب السياسية والحراكات النشطة والمجتمع المدني.
ثالثا: لقد فتح الإضراب والتظاهرات الحاشدة التي لبت النداء العديد من الأسئلة حول أسبابه ودوافعه وتوقيته، حيث الخصوصيات مختلفة وقد تشتبك مع هدف الحدث وخاصة أن بعض الدول قد تكون في الموقف المعاكس ما يجعل الحدث يحمل أجندات محلية، بعضها قد يشكل شرارة تطرح مطالب المتظاهرين وهو ما يستدعي من الفاعلين الدوليين ومحركي الأنشطة والفعاليات على التمسك بهدف التضامن مع غزة على الهموم المحلية، وعدم الخلط بينها.
رابعاً: لا بد أن تستقطب الحراكات ويشارك بها مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، لذلك لا بد من تلافي الشعارات الخلافية التي قد تلحق الضرر بهدف الحراك الإسنادي لقطاع غزة، ومنها الشعارات المؤدلجة والفئوية والعصبوية التي تتسبب في استبعاد قطاعات وفئات عن الحراك وتشحذ الفرقة والخلاف، بما يتسبب في ضمور الحشود وتأخذه إلى تعميق الانقسام.
خامساً: لا تستطيع التظاهرات والعصيان المدني إنهاء الاحتلال أو أن تتمكن من إيقاف العدوان على غزة والمخيمات، لكنها بالتأكيد تُحرّك الرأي العام وتوجع الاحتلال برؤية الشعوب تقف ضده، وتُظهر عمق مظلومية القهر الواقع على قطاع غزة، ما يدفع الحكومات والشعوب إلى إعادة النظر في مواقفها. قوة هذه الأدوات تكمن في أنها تعري الاحتلال وتضعه في موقع المجرم الذي ينتهك القوانين الدولية، كما تكشف عن زيف الديمقراطية التي يدعيها، وتمنح الفلسطينيين أدوات ضغط فعالة.
وختاماً، حراك الضفة الغربية الحاشد يستحق البناء عليه من أجل استدامته، والوقوف عند بعض الثغرات التي اعترته من مثل عدم مشاركة البلدات والقرى أو الشعارات التي رافقته لجهة تخليصها من النشاز الفئوي والحزبي الضار أو المثير للخلاف، وأن يكون الهاجس الجمعي يتركز على بث الروح التضامنية في الأوصال الجامدة، وتوحيد الصوت الفلسطيني خلف طيّ صفحة الانقسام، ورفض الإبادة وانتظار الموت.