لم يحمل لقاء ترامب نتنياهو في البيت الأبيض أيّ جديد، بل حمل تأكيدات شريرة على توافق الاثنان على نهج الإبادة والتطهير العرقي وترديد أوهام طرد الناس الجماعي من غزة واستملاكها وفق رغبة ترامب وأطماع نتنياهو.
لقاء متناغم بين حليفين جاء ليؤكد فيه الجانبان اتفاقهما على الاستمرار في قتلنا ومواصلة الإبادة، غير مكترثين بأصوات الأمهات الثكالى، ولا بدموع الأطفال، ولا بنداءات العالم الذي يشاهد من بعيد دون حراك، كما لو أنهما لا يشاهدان مئات آلاف الشهداء والجرحى.
لم يكن اللقاء مجرّد اجتماع سياسي، بل كان إعلانًا صريحًا عن استخفافهم بكل القيم الإنسانية، وتجاهلٍ فجّ للمعاناة اليومية التي يعيشها أهل غزة تحت القصف والدمار. كما وأن التصريحات التي خرجت عنهم، ولو أنها كانت مغلفة بالدبلوماسية، إلا أنها تحمل في طياتها وعدًا بمزيد من الدماء، وتحمل نذيرًا بمزيد من الخراب والدمار والحصار.
في حضرة الكاميرات، ابتسموا، وصافحوا بعضهم، وتبادلوا العبارات المنمقة، بينما في الطرف الآخر من العالم، كانت الأجساد تُنتشل من تحت الأنقاض، وكانت الأمهات تودع أبناءها، وكان الليل في غزة أكثر ظلامًا من أي وقت مضى، ولم يشاهد ترامب تلك الصور وتلك المعاناة، بل كان يرى بعين المستثمر السارق الذي يتطلع لاستملاك غزة وتهجير أهلها.
هذا اللقاء ليس حدثًا عابرًا، بل هو تذكير صارخ بأننا نواجه تحالفًا لا يرى فينا سوى أرقام تُمحى، وأرضًا تُسلَب، وحقوقًا تُدفن بصمت.
إنها سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، التي لا تخجل من دعم الاحتلال بكل الوسائل والسبل، بل تمعن في تسليحه وتبرير جرائمه، وتدّعي زورًا أنها تدافع عن "السلام" بينما تزرع الفوضى وتغذي الصراع، فترامب، الذي يرى في القضية الفلسطينية مجرد ورقة للمساومة، يتعامل مع الدم الفلسطيني كأنه بلا قيمة، ومع المأساة كأنها فرصة لعقد صفقات وصفقات مضادة، كلها مبنية على أطماع استعمارية لا تنتهي.
أما نتنياهو، فوجد في ترامب شريكًا مثاليًا لنفس المشروع: مشروع اقتلاع شعب بأكمله، وطمس هويته، وإعادة رسم خارطة الأرض بالقوة والغطرسة. وبينما تتساقط البيوت على رؤوس أصحابها، وتُقطع الكهرباء والماء عن الأبرياء، يبنيان معًا حلمًا مشتركًا قائمًا على أنقاض شعب، وأشلاء وطن، ودماء لا تجف.
إن ما يجري ليس فقط مأساة إنسانية، بل جريمة مكتملة الأركان، جريمة يراها العالم بوضوح لكنه يختار الصمت. الصمت المريب، الصمت الذي يقتل مرتين: مرة بالقذائف، ومرة بالتجاهل. ويا له من زمن بائس وسط ما نشهده ونعيشه ونراه.
...........
في حضرة الكاميرات، ابتسموا، وصافحوا بعضهم، وتبادلوا العبارات المنمقة، بينما في الطرف الآخر من العالم، كانت الأجساد تُنتشل من تحت الأنقاض، وكانت الأمهات تودع أبناءها، وكان الليل في غزة أكثر ظلامًا من أي وقت مضى.