اكد ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، على أن أحد أخطر أوجه الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني لا يتمثل فقط في سفك الدماء أو تدمير العمران، بل في الإبادة الرمزية التي تُنفّذ بهدوءٍ عبر الأدوات الإعلامية الغربية السائدة، حيث يُجرَّد الفلسطيني من إنسانيته، ويُحوَّل من كائنٍ حيٍّ له اسم وذاكرة وتاريخ، إلى صورة عابرة أو رقمٍ مجرّد في نشرة أخبار.
وقال دلياني: "حين يُعاد تشكيل المجازر الاسرائيلية بلغة ناعمة، وتُقدَّم المأساة الفلسطينية ضمن قوالب خطابية قابلة للهضم في الإعلام الغربي، فإن الجريمة تنتقل إلى حيّز الإدراك ايضاً، وتُعاد صياغتها كأزمة إنسانية مبهمة، لا كجريمة إبادة ذات دوافع ايديولوجية وسياسية استعمارية إقصائية. هذا تفكيك مُنظم للسردية الفلسطينية، واغتيال للهوية، واستبعاد متعمّد من الحضور التاريخي والاعتراف السياسي. إن هذا الاغتيال الرمزي للإنسان الفلسطيني في الوعي العام الغربي هو ركنٌ أصيل من بنية المشروع الإبادي الصهيوني."
وأوضح القيادي الفتحاوي أنّ "المجازر الاسرائيلية التي يتجاوز ضحاياها خمسين ألف شهيدة وشهيد، وفق التقديرات الرسمية المُحافظة، كان ينبغي أن تُحرّك ضمير العالم، لكنها تُعرض من خلال عدسة غربية منحازة تمنح رمزية إنسانية للجندي الإسرائيلي القاتل وتُنكرها عن الطفل الفلسطيني الضحية، كحال الطفلة الشهيدة هند رجّب التي أطلقت عليها وعلى عائلتها قوات الاحتلال الاسرائيلي أكثر من ٣٠٠ رصاصة، وكأن الإنسانية سلعة تُمنح وتُحجب وفق المعايير الاستعمارية.
وأضاف: "الغرب لا يُعاني من نقص في المعرفة، بل من حالة اغترابٍ معرفيّ مصطنعة، تروّجها ماكينة صهيونية إعلامية، تهدف إلى تعطيل الاستجابة الأخلاقية لدى الشعوب. هذا الانفصال العاطفي ليس بريئاً، بل هو أداة استراتيجية تُستخدم لطمس الجرائم، ودعم الاحتلال، وحرمان شعبنا من الحق في سرديته."
واختتم المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح بالتأكيد على أن معركة الدفاع عن أطفالنا من الإبادة الإسرائيلية لا تنحصر في الميدان، بل تمتد إلى مواجهة شاملة على جبهة السرد، والذاكرة، والتمثيل الرمزي، حيث تكون استعادة الإنسان الفلسطيني من هوة التجريد الصهيوني أولوية مركزية في مشروع التحرر الوطني. وفي عالمٍ تُرتكب فيه الإبادة بالسلاح كما تُكرّس بالصمت والتواطؤ والخطاب المشوَّه، فإن التصدي لآلة التجريد من الإنسانية يشكّل عماداً أساسياً لأي عدالةٍ حقيقية، وأي تحريرٍ قادم.