واضح أنه ترامب مصمم على ما ينوي فعله في قطاع غزة لجهة ترحيل الفلسطينيين إلى بلدان بعضها ذكرها بالاسم والبعض الآخر لم يذكرها، رغم نفي كلٍ من "مصر والأردن" بأن تكونا قد قبلتا ما يطرحه الرئيس ترامب، وأنه لم يجري حديث بهذا الخصوص، إلا أن ترامب دائم التردد بأنه تحدث مع الرئيس المصري والاهل الاردني، وكأنه يريد فرض أمر واقع لا مفر منه.
الرئيس ترامب تحدث بلغة الواثق، المتيقن من قبول الدول بتوطين الفلسطينيين في أراضيها، من خلال تأكد المتكرر بأن مصر والأردن ستستقبلان الفلسطينيين.
وفيما يمكن اعتباره نوع من الجدية في الطرح أمر وزير الجيش الاسرائيلي كاتس باعداد خطة متكاملة توفر خيار الخروج الطوعي لسكان غزة.
واضح بأن الفلسطينيين باتوا أمام سيناريو بدأت تتضح بعض معالمه، حيث أن اللقاء بين نتنياهو وترامب أعطى دلالات على تطابق في الرؤى تجاه مستقبل غزة، وكيفية التعامل مع الخطر القادم من هناك، فكلا الرئيسين اتفقا على ضرورة استعادة الأسرى، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة التالية وهي "سحق" حماس، من خلال القضاء على بنيتها العسكرية وتجريدها من سلاحها، وتدمير بنيتها الحكومية.
ما يحاك في الخفاء ربما يدفع برئيس وزراء حكومة الاحتلال بمحاولة تعطيل المرحلة التانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، التي من المفترض أنها قد بدأت خلال اليومين الماضيين، حيث سيعمد نتنياهو إلى وضع العراقيل أمام الاستمرار في المفاوضات، لأن العروض العسكرية التي قامت بها "المقاومة" أثناء مراسم تسليم الأسرى الاسرائيليين سببت حرجاً كبيراً لحكومة نتنياهو، وأظهرته أمام الشارع بأنه شخص كاذب مخادع، وأن الرواية التي قام بتصديرها لوسائل الإعلام بأن الجيش استطاع القضاء على قوة حماس العسكرية وبنيتها السلطوية، وهذا ما كذبته صور تسليم الأسرى في غزة.
على الأرجح إن ما قام بفعله نتنياهو طوال الخمسة عشر شهراً كان يهدف لجعل غزة منطقة غير قابلة للحياة، وأن إعادة الإعمار يحتاج إلى عشرات السنوات كي تعيد غزة إلى ما كانت عليه قبل السابع من اكتوبر، وهو بذلك كان يبتغي الوصول لتحقيق النتيجة التي تحدث عنها الرئيس ترامب في مؤتمره الصحفي، توطئة للشروع بالخطوة التالية وهي تهجير الفلسطينيين، طوعاً أو قسراً بالقوة الجبرية.
تهديد نتنياهو بالعودة للقتال في غزة يعني بأن على سكان القطاع الاستعداد لما هو أسوأ، في ظل انعدام مقومات الحياة.
صحيح أن مئات آلاف الفلسطينيين عبروا من مفترق "نتساريم" عائدين إلى منازلهم شمال القطاع، يحذوهم الأمل بإعادة إعمار ما دمره الإحتلال، إلا أن المفاجأة كانت صادمة لهول ما شاهدوه من دمار للحجر والشجر والبنى التحتية، من مدارس ومستشفيات ومراكز للايواء وتدمير آبار المياة، وشبكات الصرف وغيرها من مقومات الحياة، مما اضطر الكثيرين العودة للنزوح في مناطق جنوب وادي غزة، بالإضافة لما دمره الاحتلال في مدينة رفح والتي تم تصنيفها بأنها منطقة منكوبة.
يمكن القول بأن قطاع غزة بمجمله أصبح غير قابل للحياة في ظل انعدام الامكانيات، وفي ظل غياب برنامج وطني يعزز من صمود المواطنين، باستثناء ما تقدمه بعض المؤسسات الدولية والمحلية، وعلى رأسها تيار الاصلاح الديمقراطي "الفارس الشهم"، لذا نعتقد بأن حصاد الدمار وحرب الإبادة ضد الفلسطينيين يريد أن يتوجه دونالد ترامب بجائزة كبرى لاسرائيل بترحيل أهالي القطاع إلى المنافي والشتات، للفكاك من هذا الصداع الدائم المسمى غزة.
هل سيفعلها ترامب وينفذ وعده بترحيل الفلسطينيين وبناء ما يعرف "بالغزة الجديدة"؟
باعتقادي أنه جاد وسيفعل إن لم يكن هناك ما يحبط هذا المخطط، ولنا في وعده بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وتنفيذه لهذا الوعد، رغم كل ما قيل من كلام وتصريحات، وشجب وإدانة واستنكار، خير شاهد على صدق هذا الوعد.
قد يقول قائل بأن الموضوع مختلف، وأنه لن يستطيع تمرير مخططه، وأن هناك معارضة شديدة، واستنكار من عديد من دول العالم لما يريد فعله ترامب، نقول بأن عقلية ترامب، وجبروته، وما يمتلكه من فائض للقوة يؤهله لفرض ما يريد، إن وجد أن لا معارضة حقيقية على أرض الواقع، وربما يتجرأ لفعل ما هو أكبر من تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتوطينهم خارج الحدود، ما عنيته أننا قد نكون أمام فعل جديد يسمح بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وترحيل ما تبقى من السكان للأردن ودول اخرى، ربما يطلق ترامب رصاصة الرحمة على رأس السلطة الفلسطينية، ويوقع بيده شهادة وفاتها.
لمواجهة مخططات ترامب يجب العمل في أكثر من مسار.
المسار الأول: خارجي
تكثيف الجهود الدبلماسي على مستوى العالم وفضح ابعاد خطة ترامب.
الدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة لاتخاذ موقف عربي موحد واضح من عملية التهجير، يدعم موقف الأشقاء في مصر والاردن، الرافضتان لقرار التهجير.
دعوة مجلس الأمن للانعقاد لاتخاذ التدابير اللازمة لوقف مخططات ترامب وحكومة الاحتلال، باعتبار أن الترحيل الجماعي جريمة حرب، وأن ما يحدث انتهاك جسيم بالاعتداء على أراضي دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإجبار شعب هذه الدولة على ترك موطنهم واللجوء لدول أخرى.
المسار الثاني الداخلي
تعزيز صمود المواطنين للتشبت بأرضهم، فلا يجوز ترك الناس لمواجهة مصيرهم
تفعيل المقاومة الشعبية لرفع كلفة الاحتلال، وإجباره على الكف عن ممارسة حرب الإبادة ضد المواطنين الفلسطينيين أينما كانوا.
تفعيل ملف المصالحة الوطنية، ونبذ الخلافات الداخلية، ووضع برنامج وطني لمواجهة هذه المخططات.
وفي إطار سد الذرائع يتوجب على حماس الانسحاب من المشهد الحكومي في غزة، لأن عودة الاحتلال للحرب والعدوان على القطاع مرتبط بوجودها على رأس العمل الحكومي.