- إطلاق نار من آليات الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
كشفت القناة 13 العبرية، النقاب عن لقاء جرى مؤخرًا بين اللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة، ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، ورغم أن القناة أشارت الى أن اللقاء ناقش قضايا اقتصادية وأمنية فقط، إلا أنه يعتبر مهماً للغاية لأكثر من سبب؛ الأول هو أن لابيد نفسه كرر قوله قبل أيام فقط، وتعقيباً على لقاء الرئيس محمود عباس وزير الدفاع بيني غانتس في بيته قرب تل ابيب، بأنه لن يتفاوض مع الجانب الفلسطيني، حين يصبح رئيساً للوزراء، ورغم أنه لم ينف أنه التقى مسؤولين فلسطينيين، إلا أنه أقر بلقائهم، مع حرصه على إبقاء الأمر سراً، أي أن وزير الخارجية الإسرائيلي، عراب الحكومة الحالية يتبع سياسة النفاق، والعمل من تحت الطاولة، وربما إدارة الحكومة من وراء الكواليس.
أي أن أمر اللقاءات مع مسؤولي السلطة الفلسطينية، لم يعد قصراً على وزراء ميرتيس والعمل، وبيني غانيتس، فمع لابيد، يتضح تماماً حجم الخلاف داخل الحكومة حول الملف الفلسطيني وكيفية التعامل مع الجانب الفلسطيني، بين أحزاب اليسار والوسط، من جهة وهم أكثرية الائتلاف الحاكم، وأحزاب اليمين، التي يلجأ حزبان منها وهما «إسرائيل بيتنا» و «وأفق جديد»، الى الصمت، فيما يبدو أن من يتصدر الموقف المعارض تماماً للتعامل مع الملف الفلسطيني والسلطة الفلسطينية هو حزب «اليمين الجديد» بزعامة كل من نفتالي بينيت رئيس الحكومة، ووزيرة الداخلية ايلي شاكيد.
شاكيد التي تلقت صفعة قبل أيام حين أجبرتها المحكمة العليا على التوقف عن العمل بقانون منع لم الشمل الذي لم تمدد له الكنيست منذ عدة اشهر، وتابعت هي العمل بقانون المنع المتخذ منذ عام 2003، وكأن قرار الكنيست غير موجود، وبالعودة لموضوعنا، يبدو أن سياسة التدرج بانفتاح المسؤولين الإسرائيليين على السلطة الفلسطينية، إضافة لحزمة التسهيلات المتتابعة في الشأن الاقتصادي والمجتمعي الخاص بجمع الشمل وإصدار الهويات الشخصية، يهدف الى تهدئة الأجواء أولاً ومن ثم خلق المناخ المناسب للعودة للمفاوضات المتوقفة منذ عام 2014.
وكما نعرف فإن التغيير الحكومي في إسرائيل جاء بعد مخاض عسير، ولم يكن انقلاباً دراماتيكياً، أي أنه لم يتم عبره إسقاط حكومة اليمين وتشكيل حكومة يسار، بل العكس هو الذي حدث، حيث أن اليمين ما زال يشكل أغلبية أعضاء الكنيست، ولكن تم شق صفوف اليمين على خلفية تحكم بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد بحكومات اليمين المتتابعة، وكذلك على خلفية الخلاف مع الحريديم حول القضايا الداخلية، المتعلقة بالفصل بين توجه الدولة الى أن تكون دولة دينية، أو أن تبقى دولة مدنية.
لذا فإن التغير في سياسة الحكومة الإسرائيلية خاصة تجاه الملف الفلسطيني، وهو يبقى أهم ملف بالنسبة لها، لا بد أن يحدث بشكل بطيء وبالتدريج، خشية أن تنهار الحكومة، لكن بالمقابل فإن ما يفرض التغيير في سياستها التي كانت متبعة وكانت تستند للتجاهل والضغط المتزايد على السلطة سياسيا وميدانيا، هو الموقف الفلسطيني، المتمثل بالصمود السياسي، ثم بالمقاومة الشعبية ميدانياً، وهكذا فإنه يمكن القول بأن انفراجة تحدث حالياً في العلاقة بين الجانبين، وهي صحيح أنها ما زالت بينها وبين أن تعود الى ما قبل عام 2014، أو الى مستوى العودة للالتزام بالاتفاقيات بين الجانبين، مسافة شاسعة، إلا أنه من الصحيح أيضا القول، بأن إسرائيل لم تعد تصر على صفقة ترامب، التي وضعت الجانبين على حافة المجابهة الشاملة سياسيا وميدانيا، وكانت مقاطعة الرئيس عباس وحكومته والمسؤولين الفلسطينيين من قبل إسرائيل وأمريكا، تمثل سياسة تهدف لإجبار الجانب الفلسطيني على قبول صفقة ترامب.
ويلاحظ أنه في الأثناء تم تأجيل عقد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني، التي عادة ما ترسم السياسة الاستراتيجية الفلسطينية، والتي عادة ما استخدمت كإشارات تحذير من ضيق الوقت، ومن أن الجانب الفلسطيني قد ضاق ذرعا بالمماطلة الإسرائيلية تجاه الانسحاب، ومن انسداد الأفق السياسي للحل، ويبدو بأن شركاء فلسطين من العرب، ونقصد مصر والأردن، كان لهما دور في هذا، حيث يبدو أن الجانب المصري الذي يتولى أمر التهدئة على جبهة الجنوب الفلسطيني، أي في غزة، لا يقصر دوره على طرف فلسطيني دون آخر، فقد كان لقاء الرئيس عباس مع نظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، وراء تأجيل جلسة «المركزي» على ما يبدو.
ومن الواضح بأن جلسة «المركزي» كانت تعتبر أول حلقة تنفيذ أو إعداد للخطوة التي حذر منها الرئيس في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، من أن هناك سنة أخيرة أمام الجميع للتوصل الى حل للاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وذلك لسببين؛ أولهما استحالة أن يظل الشعب الفلسطيني ينتظر الى ما شاء الله، أي لا بد أن يتم وضع جدول زمني لإنهاء احتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين، وثانيهما، تواصل الإجراءات الاحتلالية على الأرض التي تواصل الاستيطان وتطلق العنان لحرب المستوطنين، بما يجعل من حل الدولتين أمراً مستحيل التحقق والتنفيذ.
هذا إضافة بالطبع لأسباب أخرى، منها ما هو إقليمي ومنها ما هو داخلي فلسطيني، خاصة وأن توقف التفاوض ومواصلة البحث عن الحل السياسي ارتبط بالانقسام الداخلي الفلسطيني، وحيث ظلت لإسرائيل المصلحة في الإبقاء على الانقسام، لتضعف الجانب الفلسطيني المفاوض، وتنخفض بالسقف الذي يطالب به كحل لملف الاحتلال.
معنى كل هذا أن الأطراف التي تدير الملف، خاصة مصر التي سبق لها ومنذ وقت أن تقدمت بمبادرة لعقد مؤتمر إقليمي لمعالجة الملف الفلسطيني بشقيه مع إسرائيل، والتي ما زالت تلعب الدور الرئيسي منذ اتفاقية إعلان المبادئ، تقوم بتهيئة الأجواء والتقدم بحذر نحو الهدف الرئيسي، وهو إعادة العجلة للحوار حول إنهاء الاحتلال والتوصل للحل السياسي، وهي بذلك لا تتجاوز فقط إرث أكثر من سبع سنوات من التوقف عن السير في هذا الطريق فقط، ولكن أيضا لتحمل العبء عن البيت الأبيض الى أن ينتهي من متابعة ملف العودة للاتفاق مع ايران حول برنامجها النووي.
بتقديرنا إن مثل هذه اللقاءات والإجراءات المرافقة لها، لا تعيد الثقة فقط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وحسب، ولكنها ترضي الرئيس الفلسطيني، من خلال الإبقاء على الملف الفلسطيني- الإسرائيلي قيد التداول، وعدم تنحيته لصالح ملف التطبيع الذي تحبذه إسرائيل، بعد أن أثبتت اتفاقيات ابراهام سيئة الصيت والسمعة بأنها شجعت إسرائيل على مواصلة الوهم بإمكانية الاحتفاظ باحتلالها لأرض دولة فلسطين، هذا فضلاً ًعن أنها شجعت إسرائيل على مواصلة التدخل فيما يخص ملف إيران النووي.