- إطلاق نار من آليات الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
مع نهاية كل عام وبداية عام جديد تقوم الدول والمؤسسات باستشراف المستقبل، والاستشراف يختلف عن التنبؤ أو التكهن، إنه علم له أدواته المعرفية ويستلهم القاعدة التي تقول (الحاضر مستقبل الماضي كما أنه ماضي المستقبل) وبالتالي من خلال استلهام الماضي وأخذ الدروس والعبر منه ومن خلال الاستقراء العلمي للواقع الراهن حول القضية محل البحث والبيئة الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، والتمعن في الأسباب التي أوجدت هذا الواقع بايجابياته وسلبياته يمكن استشراف أو توقع ما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً.
بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية فأي استشراف موضوعي في المدى القريب سيكون مُحملاً بكثير من التحديات واحتمالات مزيد من التدهور في الأوضاع الداخلية، لأن استشراف المستقبل ينبني غالباً على حسابات واقعية وعقلانية مستمدة من معطيات الحاضر وموازين القوى المؤثرة في مسار القضية، والواقع يقول إن القيادات السياسية للشعب الفلسطيني صاحب القضية لم تعد اليوم الفاعل الوحيد في تحديد مستقبل القضية، كما فقد الشعب كثيراً من أوراق القوة الذاتية بسبب الانقسام والصراعات الداخلية والنجاحات التي يحققها مهندسو صناعة الانقسام ودويلة غزة، والمتغيرات العربية والإقليمية وخصوصًا التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني وقوة تأثير الأجندة الخارجية ومالها السياسي.
على المدى القريب وإن لم تحدث تحولات دراماتيكية دولية أو من خارج المنظومة السياسية الفلسطينية الحاكمة فإن الأمور ستسير نحو مزيد من التدهور حيث من المتوقع :
هذا فيما يتعلق بالرؤية التشاؤمية أو الواقعية العقلانية، لكن إذا تم الأخذ بعين الاعتبار في عملية الاستشراف قوة الإرادة الشعبية بالصمود والإيمان بعدالة القضية واستمرار المقاومة بكل أشكالها حتى وإن كانت ضعيفة الآن، وتوظيف ما تبقى من استقلالية القرار الوطني، أيضاً الأخذ بعين الاعتبار أن موازين القوى ليست حالة ثابتة بل تتغير من وقت لآخر، فإن أملاً أو نوراً يلوح في نهاية النفق حتى وإن كان النفق طويلاً، على أقل تقدير بأن يكون عام 2022 عام المراجعات الاستراتيجية والاعتراف بالفشل.
التفاؤل بالمستقبل يعود إلى الاعتبارات التالية:-
ليس المُراد من إبراز هذا الوجه الإيجابي من المشهد تجاهل أو التقليل من الحالة المتردية التي وصلت إليها القضية بشكل عام أو بث أمل مخادع للشعب، بل التأكيد بأن مستقبل الشعوب لا يرتهن بأزمة النخب السياسية ولا بموازين قوى راهنة أو بالمتغيرات الإقليمية والدولية، بل بإرادة الشعوب واستمرارية نضالها من أجل الحرية والاستقلال، والشعب الفلسطيني لم يستسلم والصراع ما زال مفتوحاً والنخب السياسية حالة عابرة تفقد مع مرور الأيام مصداقيتها وشعبيتها وشرعيتها.
إرادة الصمود والبقاء وبث الأمل وروح التفاؤل والثقة بالشعب واستمرار المقاومة الشعبية من أهم الأسلحة في هذا الوقت لمواجهة سياسة اليأس والإحباط وكي الوعي والتشكيك بعدالة القضية ومواجهة المروجين بأن القضية الفلسطينية انتهت وما على الفلسطينيين إلا الاستسلام للأمر الواقع والقبول بسلام (اتفاقات إبراهيم) وبمعادلة (الاقتصاد مقابل الأمن). التفاؤل بالمستقبل ضروري لمواجهة الذين يريدون اختراق وهزيمة وكي وعي الشعب الفلسطيني والعربي.
من المؤكد أن بث الأمل وروح التفاؤل لن يكون مجدياً بدون أن يكون مصحوباً بعمل مراجعة استراتيجية لأوجه الخطأ والصواب في المسيرة الوطنية، ولماذا وصلنا إلى ما نحن عليه؟ والمراجعة لا تكتمل إلا إن تضمنت الاعتراف بالخطأ لأنه لو لم تكن أخطاء ما كان هذا حالنا.
مؤشرات التشاؤم أقوى من مؤشرات التفاؤل، ولكن في نفس الوقت تتعاظم حالة الغضب الشعبي وترتفع أصوات عاقلة من طرفي المعادلة الفلسطينية تطالب بوقف المهاترات ووقف الصراع على سلطة ومصالح والارتهان لأجندة خارجية فيما الوطن يضيع، بل إن السلطتين ذاتهما مهددتان بالزوال لانتهاء دورهما الوظيفي الذي رسمته لهم إسرائيل وشركاؤها في المنطقة.