الإشاعات بأن الإدارة الأميركية الجديدة هي من طالبت السلطة الفلسطينية بإقرار وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غير محلها، لأن أي إدارة جديدة في الولايات المتحدة لا يمكنها قانوناً ممارسة عملها قبل رحيل الإدارة السابقة ولذلك لا نعتقد بأن إدارة الرئيس بايدن لها علاقة بما قررته الرئاسة الفلسطينية بهذا الصدد بعد الاتفاق مع حركة "حماس".
المؤكد أن هذا القرار يصب في خدمة القضية الفلسطينية لأنه ينهي حالة الانقسام التي أضعفت الموقف السياسي الفلسطيني عالمياً وهو يجدد الشرعيات التشريعية والرئاسية التي انتهت منذ مدة طويلة، وهو أهم من ذلك يعيد مسألة القدس الشرقية إلى الواجهة السياسية بقوة.
قناعتنا بأن إسرائيل ستضع عراقيل كثيرة في طريق تنفيذ إجراء الانتخابات لأنها سترفض إجراءها في القدس الشرقية من باب تأكيد سيادتها عليها بعد أن اعترفت أميركا - ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
هذا يضع إدارة الرئيس بايدن أمام أول اختبار له في التعامل مع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
إن تمكنت إدارته من فرض الانتخابات على إسرائيل، فهذا على الأقل مؤشر مشجع على أن إدارته، رغم عدم تحللها من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما زالت تعترف بأن القدس الشرقية أرض محتلة وهذا يبنى عليه.
يجب أن يكون واضحاً للنخب السياسية الفلسطينية أن إدارة بايدن أولوياتها بعيدة عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
هذه الإدارة ستكون مشغولة بملفات داخلية كثيرة في مقدمتها التعامل مع جائحة «كورونا» وآثارها الاقتصادية المدمرة على الأميركيين، وبرزمة من الإصلاحات الداخلية التي تهدف إلى حماية الأقليات وإلى الحد من نفوذ اليمين المتطرف داخل المجتمع ومؤسسات الدولة نفسها.
وفي الملفات الخارجية، ستعطي إدارة بايدن الأولوية لصراعها السياسي والاقتصادي مع الصين، لإصلاح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، للملف النووي الإيراني، ولتحسين صورة أميركا في العالم بعد أن اهتزت بخروجها من عدد من المؤسسات والاتفاقات الدولية وبعد تراجع تأييدها لملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.
هذه الإدارة لن يكون لديها الوقت أو النية أو التصميم على حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
الرئيس بايدن ومن تجربته السابقة عندما كان نائباً للرئيس أوباما يعلم أن إسرائيل لا تريد حل هذا الصراع بالمفاوضات السياسية، وإدارته كما الإدارات السابقة له، لن تكون راغبة في الدخول في صراع مع طرف يتمتع بتأييد ومباركة الكونغرس الأميركي.
إدارة بايدن أيضاً ستعمل على تعزيز الانفتاح العربي "التطبيع" مع إسرائيل بصرف النظر عن تأثيره السلبي على حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لانسجامه مع مصالح إسرائيل ولأنه يعطي "الانطباع" بأن هنالك تقدماً في ملف "عملية السلام"!
رغم ذلك كله هنالك ما يجب الانتباه له والبناء عليه خلال إدارة الرئيس بايدن وللمرحلة التي تليه:
الرئيس بايدن ما كان له أن ينجح بالرئاسة الأميركية لولا التحالف العريض الذي تمكن الحزب الديمقراطي من بنائه والذي يضم الأقليات، والأميركيين السود، وعشرات الملايين من مؤيدي مرشح الرئاسة السابق، السيناتور بيرني ساندرز.
هؤلاء يرون في إسرائيل دولة احتلال، ويريدون من إدارة الرئيس بايدن ممارسة الضغوط عليها للانسحاب من الأراضي التي تحتلها منذ العام ١٩٦٧ وإنصاف الفلسطينيين بإقامة دولة لهم عليها.
هنا تأتي أهمية الانتخابات الفلسطينية التي ستنهي حالة الانقسام وتجدد الشرعيات الفلسطينية.
القيام بذلك سيعطي قوة دفع لمؤيدي القضية الفلسطينية في أميركا لممارسة الضغوط على حكومتهم وعلى ممثليهم في الكونغرس لاتخاذ خطوات عقابية بحق إسرائيل "هذا ينطبق أيضاً على الدول الأوروبية".
نحن نعلم يقينا بأن حالة الانقسام الفلسطيني وانكشاف شرعية مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني التي أعقبتها قد تم استغلالها من قبل إسرائيل للتهرب من أي تسوية سياسية عادلة للقضية الفلسطينية، وأنها قد تسببت أيضا في إضعاف حلفاء فلسطين في أميركا وأوروبا.
المنطق يقول إنه إذا كان الفلسطينيون يجدون "صعوبة" في التوصل إلى حالة "سلام" فيما بينهم بالاتفاق على آليات لإدارة أنفسهم وعلى برنامج سياسي لإنهاء الاحتلال، فإنهم على أقل تقدير يقدمون صورة سيئة عن أنفسهم لا تساعد حلفاءهم على دعمهم.
إلى يومنا هذا تمكن حلفاء فلسطين من التركيز على الممارسات الظالمة والمخالفة للقانون الدولي للاحتلال الإسرائيلي: الاستيطان، حصار غزة، جدار الفصل العنصري، تجريف الأراضي، وكل ما ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني من حواجز وعمليات قتل واعتقال وتفادوا في نفس الوقت الخوض في ملفات تؤثر سلباً على دعمهم للقضية الفلسطينية مثل الانقسام وشرعية المؤسسات الفلسطينية.
لكن حلفاء إسرائيل يستغلون هذه الملفات ويطرحونها بقوة في دفاعهم عن إسرائيل. ادعاءاتهم هنا لا تنتهي: إسرائيل لا تجد جهة ممثلة وجامعة لكل الفلسطينيين للتفاوض معهم.
الاتفاق مع سلطة ضعيفة في رام الله لا ينهي حالة الصراع مع إسرائيل وبالتالي ما الحكمة من ممارسة الضغط على إسرائيل. السلطة ورئيسها لا يتمتعون بشرعية للتفاوض مع إسرائيل. «حماس» تمارس الإرهاب والعنف وهذا ما يمنع السلام مع إسرائيل.
الادعاءات والأكاذيب أكثر من أن تحصى لأن كل ما سبق لا يبرر استمرار الاحتلال وهي نتيجة له.
رغم ذلك لا يمكن الادعاء بأن البيت الفلسطيني موحد لأنه منقسم على نفسه، ولا يمكن الادعاء بأن النظام السياسي الفلسطيني ديمقراطي لأنه لم يعد كذلك عندما تم التغاضي عن الانتخابات عندما استحقت في موعدها قبل عشر سنوات.
إنهاء الانقسام وضخ الدماء في النظام السياسي الفلسطيني بتجديد شرعيته يخرس أعداء القضية الفلسطينية أو على الأقل ينهي ادعاءاتهم المتعلقة بهذه الملفات، ويعطي قوة دفع لحلفاء فلسطين للاستمرار في ممارسة ضغوطهم على حكومتهم وعلى ممثليهم من أجل إنهاء الاحتلال.
أن يكون الفلسطينيون موحدين وأن يديروا مؤسساتهم بطريقة ديمقراطية يسمح لحلفائهم بالتركيز ليس فقط على ممارسات الاحتلال، ولكن أيضاً على الجانب المشرق لإنهاء الاحتلال وهو أن فلسطين الدولة بعد قيامها ستكون ديمقراطية ومثالا للآخرين في الشرق الأوسط في احترامها لحقوق الإنسان ولمبدأ التداول السلمي للسلطة لا إضافة عددية لما هو قائم من دول في المنطقة العربية.
هذه قوة دفع جديدة ومهمة للقضية الفلسطينية إن أحسنت القيادات الفلسطينية استخدامها لأنها تمكن حلفاء فلسطين من استقطاب المزيد من التأييد، وتحديداً من النخب السياسية التي تؤثر في صناعة القرار السياسي الأميركي في وقت يحتاج فيه الحزب الديمقراطي لهؤلاء الحلفاء لضمان استمرار سيطرتهم على الكونغرس وتفوقهم على الحزب الجمهوري في أي انتخابات قادمة.
الأيام