- طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط مدينة جباليا البلد شمال قطاع غزة
لم أكن أعلم أثر فقدان الأمهات على النفس إلا يوم فقدتها، كنت أسمع من أصدقاء فقدوا أمهاتهم، تأثرت وشاركتهم أحزانهم ولكن أن تسمع ليس كما أن تجرب، تلك التجربة التي تعيدك طفلاً باكياً مهما بلغت من العمر والمكانة والجاه والمال.
لا عيب أن يبكي الرجال أمهاتهم، خاصة إذا احتلت تلك المساحة والمكانة التي احتلتها أمي في قلوبنا وقلوب كل من عرفوها، أماً للجميع، صاحبة القلب الكبير والوجه البشوش، الرقيقة مع الأبناء والأحبة، القوية أمام المحن والشدائد، الماجدة في مواجهة جبروت وغطرسة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
كيف لا وهي التي ودعتنا بالزغاريد والأهازيج التي ملأت فضاء حارتنا يوم اعتقلتنا قوات الاحتلال أنا وخمسة من إخوتي مرات ومرات، بالصبر والثبات وبالفخر والاعتزاز قابلت كل الملمات والمحن وهي تجوب السجون الإسرائيلية شرقاً وغرباً لتزورنا، تمسح آلامنا وتمدنا بالمعنويات ونسعد بها وتسعد بنا .
أمي في عيني وكلي فخر كانت أجمل نساء الكون وأعظم نساء الدنيا وأجملهن وأرقهن وأكثرهن شجاعة في قول كلمة الحق، كيف لا وهي الصابرة المثابرة، الراسخة والثابتة على المبدأ رسوخ الجبال التي لم ترضى الدنية أبداً، وظلت شامخة مرفوعة الهامة، تفخر بأبنائها ونمتلئ فخراً بها وحباً وطاعة لها ولأوامرها ورغباتها الخيرة تجاه الجميع، كيف لا وهي التي قالت لي يوماً ( يا بني : طول ما انت قادر، ساعد الناس، حتى اللي بيستاهلوش).
قلت : كيف نساعد اللي ما بيستاهل ومن لا يستحق ولا يحفظ المعروف!؟
قالت لي : العدّاد عند ربك عزّ وجلّ، مش عند العبد، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
كلي ثقة أن كل من حباه الله أماً كأمي، وكان صالحاً يبرها ويطيعها، يراها بعينه كما رأيت أمي وأجمل، ويفتقدها كما أفتقد أمي الغالية وأكثر، ويشتاق أن تلمس يداها جبينه وتتحسس رأسه،، ويتوق لدعواتها التي تخرج من القلب نحو السماء .
يا ويحنا بعد أمهاتنا ،، من يدعو الله لنا، تلك الدعوات الصالحات الصادقات المتقبلات عند الله .!؟
كنت أصحو كل يوم على رسالة صوتية من أمي تدعو لي في صلاة الصبح: الله يرضى عليك، وينشلك من كل ضيق، ويحميك في كل طريق، ويحفظك ويطرحلك البركة في مالك وعيالك، ويبعد عنك اولاد الحرام وبنات الحرام، روح الله يحبب جميع خلقه فيك ).
يا الله كم كنت أسعد بصوتها وامتلئ قوة وحصانة وفرحاً بدعائها.
أعتقد أني كنت إبناً باراً بأمه، لأننا لا يمكن أن نثق بأننا أوفيناهن حقوقهن أو قدراً يسيراً مما يستحقَّن. أقول هذا رغم أني لم أرفض يوماً لها طلبا، وحاولت أن أحقق لها كل ما أرادته مني، لم أنهرها يوماً ولم أعرض عنها ولم أقلل من احترامها مثقال ذرة. ووالله أني كنت أسعد بتلبية كل طلباتها ورغباتها وأوامرها، والتي وللحق، لم تكن لشخصها بل في معظمها من أجل غيرها.
رحمها الله رحمةً واسعة وأسكنها فسيح جناته، مع الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً.
إن رحمة الله قضت أن يولد الحزن كبيرا، ثم يصغر رويداً رويداً، وفي ذلك رحمة للعالمين.
كما لعادات المشاركة والتعاضد والمواساة عظيم الأثر في التخفيف عن صاحب الفاجعة وعن المصاب مصابه.
ورغم أننا ومراعاة لوضع الوباء وأضراره وللحفاظ على الناس قررنا عدم فتح بيوت للعزاء واكتفينا باستقبال التعزية عبر الهاتف ووسائل التواصل مع تواجد بعض المقربين بشكل مباشر.
وهنا لا يسعني بإسمي وباسم عائلتي الكبيرة وعموم آل المشهراوي أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لكل من واسانا وشاركنا عزاءنا بدءاً بأصحاب السمو والمعالي والسيادة في دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية والأردن ولبنان وقيادات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتي حـماس والـجـهاد الإسلامي والوزراء ورؤساء الوزراء السابقين والأصدقاء والأحبة عموماً وقيادة وكوادر واعضاء تيار الاصلاح الديمقراطي، وقيادات وكوادر حركة فتح والأعزاء أبناء الحي والجيران الأعزاء وعموم أبناء شعبنا في الوطن والشتات.
في مشهد الحزن العميق على فراق والدتي العزيزة، لفت انتباهي وانا استعرض جموع المعزين تلك اللوحة الوطنية الرائعة والتي مثلت كل ألوان الطيف الفلسطيني، بين سلطة ومعارضة، بين فصائل المنظمة وفصائل اسلامية وشخصيات اعتبارية ومستقلين ونقابيين وأعضاء برلمان وقيادات فتحاوية كبيرة ومنهم من اختلفنا معهم ولا زلنا وأخص بالذكر منهم أعضاء اللجنة المركزية والقيادات الذين بادروا لمشاركتنا عزاءنا بالاتصال وأخص بالذكر الاخوة ناصر القدوة وتوفيق الطيراوي وحسين الشيخ وروحي فتوح وماجد فرج، وحدتنا أتراحنا وكم تمنيت ولا زلت أتمنى أن توحدنا أيضاً أفراحنا، وأن توحدنا الانتخابات القادمة ، وحدة قائمة على أسس ومعايير وطنية وقانونية وأخلاقية، وحدة تُفضي لإعادة بناء نظام سياسي فلسطيني شفاف وسليم ، يرسى دعائم العدل والمساواة وتصليب الجبهة الفلسطينية في مواجهة التحديات الجسام والمخاطر التي تواجه قضيتنا، وهؤلاء الاخوة وباقي اعضاء اللجنة المركزية وعلى رأسهم الأخ أبو مازن مدعوين للعمل على تجاوز خلافات الماضي والعمل على تحقيق مصالحات فتحاوية توحد فتح ، لأن في وحدتها قوة لفلسطين وقوة للوحدة الوطنية وقوة للمنظمة . ومع علمي ويقيني أن بعض مرضى النفوس والذين لا يعيشون ولا يستفيدون إلا في أجواء الخلافات، لن يعجبهم ذلك وسيذهبون لتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، وأعلم أيضاً ان جزء مهم من كوادر التيار لن يعجبهم أيضاً ذلك ويعتقدون ان الاخرين ربما يفسروه ضعفاً منا ولنا، إلا أنني أعلنها مدوية للجميع، ان عفيفي الضمير، طاهري النفس، صادقي الانتماء، وكل الأصحاء وطنياً سيفهمون جيداً هذا الخطاب ويضعونه في موضعه الصحيح. وعلى هؤلاء دون غيرهم أن يبدأوا مسيرة الوحدة قبل فوات الأوان.
اللهم إني قد بلغت
اللهم فاشهد