- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
منذ أن اشتدت الأزمة الصحيّة للرئيس عباس والتي بناء عليها دخل إلى العناية الطبيّة وكما يقال بعض العمليات الجراحية برز على سطح التفاعلات الداخلية بالحديث عن خلافة عباس مضافًا إلى ذلك بأنه بلغ من العمر ما لا يمكن أن يتجاوزه فلسطينيًا بالبحث عن بدائل لرئاسة النظام الفلسطيني وخاصةً أن عباس يترأس كافة المربعات السياسية الفلسطينية والتمثيلية أيضًا، سواء في منظمة التحرير أو السلطة أو الأجهزة السيادية كالأجهزة الأمنية ورئاسة اللجنة المركزية لحركة فتح.
بلا شك أن الساحة الفلسطينية تحتاج لتجديد رأس النظام السياسي الفلسطيني ليس فقط نظرًا للعالم الصحّي للرئيس بل لفشل رأس النظام السياسي الفلسطيني وبرنامجه في تحقيق أدنى مستويات الأماني والأحلام الفلسطينية وتفشي الفساد في مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، فالمتابع لعمل السلطة ومنظمة التحرير لن يجد أي مفهوم لعمل استراتيجي أو تكتيكي واضح للسلطة أو لمنظمة التحرير بل أصبحت منظمة التحرير على الهامش بشكل كامل، ولجنتها التنفيذية مجرد عنوان لتاريخ مضى في التمثيل مازالت تتمسك به السلطة لتمرير كثير من القضايا التي تخدم برنامج الرئيس في حد ذاته فقط، وليس بناء على برنامج وضعه خبراء وطنيون أو قوى نضالية من أطرها المباشرة بل فقط برنامج برؤية الرئيس عباس.
لا نريد أن نشتت أفكارنا في هذا المقال، فالحديث يطول عن مستوجبات إعادة هيكلة ورئاسة النظام الفلسطيني المبني على الشراكة، وهذا مطلب أقرته كل القوى الوطنية والإسلامية وللأسف لم ينفذ منه شيئًا بما فيه قرارات المركزي منذ عام 2015 وحتى مقولة الانتخابات التي أقر الرئيس عباس بأنها أتت بمطلب أوروبي وبضغط أوروبي مازالت هناك عقدة القدس ومشاركة القدس هي التي ستحبط أي تجديد للشرعيات الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية.
لا شيء مما يقال ينفذ ولا شيء من الادعاء هو صادق، كل شيء أصبح كالكثبان المتحركة تديرها الرياح أينما تسير وأينما تتجه، وأصبح الوعاء الفلسطيني بشكلٍ كامل هو متلقّي للمؤثرات الإقليمية والدّولية وبدون أي دعائم صمود داخلية، بل سلّموا أقدارهم جميعًا لتلك القوى ومآربها وصدق نواياها من عدمه.
ولكن كثر الحديث عن خلافة عباس بين أسماء محددة تفرزها مراكز القوى والفصائل وكل على حسب رؤيته، ولكن ما يدار على الأرض يختلف كثيرًا عن الصراعات المحتدمة في الضفة الغربية التي تأخذ أشكالًا مختلفة، ولوجوه محددة، من تخزين السلاح وصنع الجماعات والموالاة لهذا الشخص أو ذاك في اللجنة المركزية لحركة فتح وربما هناك مقربين من الرئيس عباس، وبالتالي تأتي الاستقراءات بالقرب أو البعد من عبّاس وكذلك كحالات الاعتداء والازهاق لبعض الكوادر والنشطاء وما أثير من جبريل الرجوب من رسالة عبر الواتس آب التي يتهجم فيها على فرج رئيس المخابرات وحسين الشيخ الذي يمسك بمفاتيح الشؤون المدنية مع الإحتلال.
حالة فلتان ظاهرة جدًا في الضفة الغربية وتأخذ شكل فوضى منظمة من زوار الفجر وزوار منتصف النهار إلى المقاهي الفارهة والعلاقات النسائية والتي لا تخلو من التفكير في صناعة معادلات محلية في داخل الضفة الغربية لتقديم هذا أو ذاك عند حلول الظروف المناسبة.
ولكن أريد أن أتحدث عن شيء آخر، عن كل تلك المياكنيزمات التي يتبعونها في الضفة الغربية، إذا فكرنا في فتح التي هي عبر سنواتها تقود الشراع الفلسطيني والصراعات الداخلية فيها وهي من أسست السلطة بموجب اتفاق أوسلو وهي التي لها الباع الطويل في تحديد الوجوه التي تقود المؤسسات الفلسطينية فإن هناك تيار كان يقاتل وبكل الطرق الشرعية والغير شرعية لكي يستحوذ على القرار الحركي منذ زمن، أي منذ عقود، وتحققت مآربه في اغتيال رموز حركة فتح وآخرهم ياسر عرفات، لا يخلو تفكيرهم من تفكير جغرافي، وبالتالي هم يحددون رؤيتهم لخلافة عباس أيضًا بتفكير جغرافي، أي يجب أن يكون خيارهم في خلافة عباس لا يخرج عن بعض القبائل أو العشائر أو المدن في الضفة الغربية، ومنهم من يتعاون مع الإحتلال وينسق أيضًا، ولديهم امكانية لذلك، والعجب في هذا الموضوع أنهم يركبون حركة فتح بجوهر عشائري وثوب فتحاوي للواجهة وكأن الشعب الفلسطيني الذي تعداده أكثر من 12 مليون قد يجيّر لرؤيتهم الجغرافية الضيقة، هؤلاء السذج مهما تكنتنوا ورسموا بعض المعادلات باعتبار أن عباس ضعيف جدًا ومنهك جدًا ومريض جدًا وبالتّالي من السّهل تمرير كل معادلاتهم في الضفة الغربية، ولكن من يتعمّق كثيرًا في الأزمة الفلسطينية وفي نظامها السياسي الفلسطيني سيجد أن اختبار بديل عباس أو خليفة له يخضع لعدّة عوامل، بالتأكيد أهمها ليست فلسطينية، فدول المحور المؤثر معروفة، إسرائيل في المقدمة ومصر والأردن، هذا بالاضافة لما هو مطروح سياسيًا على الشعب الفلسطيني من مبادرات دولية واقليمية قد تجد لها نوع من التنفيذ الجزئي أو الكامل وبدون استشارة الفلسطينيين بالتطبيق على الأرض مباشرة كدول مؤثرة في صياغة الحياة والمعابر والاقتصاد والتجارة في داخل الضفة وغزة، وهذا ما يحدث بالضبط، ولا ننسى هنا ما نفذ من ما يسمى صفقة القرن من خمسة بنود تم تطبيقها على الأرض وآخرها خط الغاز المزمع انشاؤه إلى غزة وميناء ومطار في المستقبل ومنطقة حرّة ومنطقة صناعية وعمال يخدمون في داخل ما يسمى الخط الأخضر، كل هذه المطبقات هي التي يمكن أن تحدد وجه النظام السياسي الفلسطيني وربما أقول هنا أن عباس سيكون آخر رئيس للسلطة، ولكن ماذا بعد؟ هل هناك كيان فلسطيني جغرافي موحد بين الضفة وغزة؟ وهذا احتمال ضعيف جدًا، فرؤية الفلسطينيين للكيان الفلسطيني وربما رؤية دولية واقليمية لكيان شبه دولة في غزة وملحق بها تجمعات سكانية في الضفة، ناهيك عن أطروحات بكونفدراليات اقتصادية وأمنية وادارية في الضفة الغربية، إذًا كيف يمكن أن نحدد من سيخلف عباس ومن سيكون رأس النظام السياسي الفلسطيني؟ في حين أن السنوات القادمة أعتقد أنها ستنتهي اشكالية الفصائل المتعددة في الساحة الفلسطينية، حتى منظمة التحرير التي أصبحت اسمًا على ورق ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وعن ميثاقها وعن شعبها.
ولكن إذا طرحنا الموضوع بشكل مباشر بدون الأخذ بالتساؤلات السابقة فإننا نستطيع أن نضع المربعات المطروحة معًا على الصراعات الداخلية في الضفة الغربية بين حسين الشيخ وجبريل الرجوب والعكلوك وماجد فرج وربما شخصيات مستقلة أخرى أو تدعي أنها مستقلة وكما قلت كلها تخضع في تحركها لمراكز قوى في السلطة ومراكز جغرافية كعشائر وقبائل في المدن ولكن الخط الفتحاوي الذي يتحدث بشكل مجرد وتحركه دوافعه الفتحاوية والوطنية من الداخل اقتصر ترشيحهم والدفع بمروان برغوثي ومحمد دحلان ولكل منهما صفاته الوطنية ومؤثراته وتأثيره وشعبيته، هؤلاء الاثنين لم يخضعا لحلقات المصارعة والصراع في الضفة الغربية، فأحدهما في السجن بخمس مؤبدات، ومحمد دحلان فصل من حركة فتح من قبل الجغرافيين أيضًا وهم دوائر الصراع في الضفة الغربية، وهم أيضًا من عاثوا فسادًا داخل أطر فتح منذ عقود وقاتلوا بكل دهاء وخبث واستخدام لمراكزهم بشكل جغرافي ليحوزوا على القرار الحركي والوطني، هؤلاء الاثنين قادرين على توحيد حركة فتح وتوحيد الحركة الوطنية والوصول إلى معادلة مع الإسلام السياسي في غزة والضفة الغربية، ولكن هل تأتي الرياح بما يفكر فيه الفتحاويون أو الوطنيون، هنا تحدد المعادلات وطبيعة التعامل مع أي برامج وأطروحات ومبادرات دولية واقليمية لحل القضية الفلسطينية ويخضع أيضًا لرؤية البرغوثي المحددة حركته في السجن ورؤية محمد دحلان الذي يعمل بها منذ عام 2011 بتعزيز وتقوية النسيج الداخلي الفلسطيني وبالتحديد في غزة ولبنان والقدس ومناطق أخرى، وماذا سيطرح وطنيًا أمام كل ما هو مضرّ بالقضية الفلسطينية يأتي من الخارج وخارج الإرادة الفلسطينية وخارج القرار الفلسطيني.
أعتقد أنه من الصعب تحديد رأس النظام السياسي الفلسطيني لأن الفلسطينيين للآن لم يعرفوا ماذا يريدوا بالضبط أمام شدة الضربات التي تلقوها ولا يعرف الشعب الفلسطيني أي شكل من أشكال النظام السياسي سيطبق عليه بعد سقوط حل الدولتين، إذًا مجرد الصراعات في الضفة الغربية بين وجوه محددة لن تخدم ولا تأتي برأس نظام سياسي فلسطيني، بل ربما يتوافق ذلك مع رؤية محلية ككنتونات أمنية ومراكز قوى أمنية قد تأخذ الضفة في مرمى غير وطني، أما الرؤية الوطنية فلا أحد للآن يعرف أين سيكون مصير منظمة التحرير في ظل وضعها الراهن، وأين مصير السلطة بعد فشل حل الدولتين، وأين مصير الوحدة الجغرافية على الأقل بين الضفة وغزة.