في الوقت الذي توجهت فيه فضائيات الأخبار لتغطية ساحة الحرب المشتعلة بين تل أبيب وطهران، غابت صورة غزة عن الشاشات والفضائيات. وخلال تلك الساعات، ارتقى أكثر من مئة شهيد، ومئات المصابين في مجازر لم تحضر صورتها في المشهد الذي سرعان ما حضرت إليه، صور أخرى بين طهران وتل أبيب، بينما كانت تتواصل حرب الإبادة بعيدًا عن الكاميرا.
بدت غزة غائبة ومُغَيَّبة، واستمرت آلة القتل في قصف خيام النازحين ومراكز الإيواء، وتباينت أصوات الخوف والرهبة لدى من لم يستطع احتمال ليلة قصفٍ وحيدة، أقل دموية من كل الليالي التي عاشها ويعيشها الناس في غزة. بعضهم شكا الخوف، وبعضهم تثاقل عن البقاء في الملاجئ، كما زعم السفير الأمريكي في تل أبيب بأنها ليلة صعبة، بينما كان ليل الناس في غزة أشد صعوبةً ورعبًا، ومن دون أماكن آمنة أو مقومات للحياة. فهلّا سارعت، أيها السفير، إلى دفع بلادك وحكومتك لوقف الإبادة؟ قف على الحياد لحظة وضع نفسك أو أطفالك مكان أطفال غزة وهم يسحقون ويموتون، ويعيشون الخوف والفقد والجوع والمعاناة.
يقول أحدهم: عشنا ساعات في الملاجئ، نشعر بالخوف الشديد، ويا لها من مفارقة عجيبة وغريبة، فالناس في غزة يعيشون تحت القصف المباشر، من دون ملاجئ، ولا طعام، ولا دواء، وفي خيام رثة منذ أكثر من ٦١٠ أيام، وهم يستصرخون ضمائر العالم كي تصحو من سباتها وصمتها.
ما جدوى هذه الحروب؟ يقول طفل من غزة: أعيدوا لي أبي، إخوتي، حضن أمي، بيتي، ووسادة نومي.
غاب صوت المراسل من غزة، وحضرت صور أخرى، وصار الموت أبشع في غياب الكاميرا، وعمليات القصف أكثر كثافة في غياب الصوت والصورة، وسُحق الناس الجوعى أمام مراكز توزيع الغذاء الكاذب.
لحظة عزيزي القارئ، تقول "نعمة حسن" الناجية حتى الآن في خيام النزوح في منشورها:" نحن كومة القش التي اتهموها بإخفاء الإبرة، فصنعوا المحرقة".