منذ انطلاق مشروع "جمعية غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، تكشّفت تفاصيل خطيرة تهدد ليس فقط أرواح الفلسطينيين ، بل أيضًا سمعة ومستقبل الشركات والمؤسسات الدولية المتورطة فيه.
هذا المشروع، الذي تديره جهات خاصة تضم مرتزقة وشركات شحن، تحوّل إلى فضيحة دولية، بتمويل إسرائيلي مباشر، وسقوط عشرات الشهداء أسبوعيًا في مراكز توزيع تُدار كما لو كانت معتقلات عسكرية.
هذه الكارثة لا تُهدد فقط بوصم المشروع بالفشل، بل تفتح الباب لملاحقات قانونية دولية قد تطال الجمعية وشركاءها ومديريها، وتضعهم أمام المحاكم والصحافة الاستقصائية.
فالعالم لم يعد يبرر قتل الجوعى تحت راية "العمل الإنساني". كل محاولة جديدة تنتهي بالمأساة ذاتها: فوضى، دماء، وانعدام كامل للمحاسبة. والنتيجة؟ عبوات زيت ودقيق وسكر لا تكفي عائلة متوسطة لأسبوع، تُوزع وسط مشهد لا يختلف كثيرًا عن "ألعاب الجوع" القاتلة.
وبينما تلقي الجهات المنفذة باللائمة على حركة حماس، تؤكد منظمات دولية كانت تشرف سابقًا على توزيع المساعدات في غزة أن المشكلة تكمن في انعدام التخطيط والخبرة. الأرض ليست مهيأة، والناس في حالة يأس، والآلية المتبعة مهينة ولا تليق بكرامة البشر.
الصور الواردة من غزة، من جثث ملقاة في الطرقات إلى مشاهد الهروب من رصاص الاحتلال، صدمت العالم، ووضعت المشروع في دائرة الشبهات، باعتباره جزءًا من عملية إبادة جماعية مستمرة.
مراكز التوزيع تقع في مناطق عسكرية يسيطر عليها جيش الاحتلال وخالية من السكان، ما يجعل حكومة الاحتلال، التي تتولى مسؤولية إدخال المساعدات، مسؤولة رسميًا عن حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني.
لكن ما يحدث هو العكس تمامًا: مشروع ضخم يفتقر لأبسط معايير العمل الإنساني، بلا إدارة حقيقية، ولا تواصل فعلي مع السكان، ولا رقابة ميدانية. التواصل يتم فقط عبر المتحدث باسم الجيش من الجو، ومن خلال طائرات استطلاع تُبلغ الناس بمواقع التوزيع. أما على الأرض، فالفوضى هي السائدة.
أما شركات الأمن التي تزعم أنها المسؤولة عن السلامة، فتُتهم بأنها نسخة جديدة من فرقة "فاغنر" الروسية سيئة السمعة، والمعروفة بارتكاب جرائم حرب في عدة دول. الشبه في التركيبة والأساليب يثير الشكوك حول طبيعة هذه الشركات ودورها الحقيقي.
وعلى الرغم من اتهام حماس بعرقلة المشروع، لم تتمكن إسرائيل ولا شركاتها الأمنية من منع وقوع المجازر المتكررة في مواقع التوزيع. كل عملية تنتهي بسقوط ضحايا جدد، والمأساة تتكرر دون مراجعة أو تعديل في الآلية الفاشلة.
حتى مع تحميل إسرائيل لحماس المسؤولية، فإن الاحتلال لا يستطيع التنصل من مسؤوليته القانونية والأخلاقية. فإسرائيل تخوض حرب إبادة وتجويع منذ أكثر من عام ونصف، وتكليف مرتزقة بمهام إنسانية يزيد من فرص ارتكاب الجرائم، لا الحد منها.
المشكلة تجاوزت سوء التنفيذ إلى التشكيك في صدقية المشروع ذاته. فبينما تقول الأمم المتحدة امتلاك آليات رقابة تمنع وصول المساعدات لحماس، تصر إسرائيل وصندوق المساعدات على أن تلك المساعدات خدمت الحركة فعليًا، دون أن تقدم أي دليل.
ما يجري في قطاع غزة لم يكن مجرد مشروع إنساني فاشل، بل مغامرة كارثية بأرواح المدنيين. الاعتماد على شركات أمن ومرتزقة، وتهميش المنظمات الدولية المتخصثة، أنتج واحدة من أسوأ التجارب في تاريخ العمل الإنساني.
المشروع لم يفشل فقط، بل كشف عن وجه بشع لاستغلال العمل الإنساني كسلاح في الحرب. وإن لم تُحاسَب الأطراف المسؤولة، فسيبقى الجوع والرصاص هو الثمن الذي يدفعه المدنيون.
قبل أن تُسجَّل نهاية هذا المشروع في وثائق المحاكم الدولية، يجب أن تتوقف هذه الفضيحة التي تُكتب اليوم بدماء الجوعى، لا بالحبر.