- قوات الاحتلال تنسف مباني سكنية في المناطق الغربية من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة
- غارة إسرائيلية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية
- قوات الاحتلال تقتحم المزرعة الغربية شمال رام الله
لقد شهد العالم عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، فرغم التوقعات بالمنافسة الحادة، أظهرت النتائج أن ترامب سيبدأ فترة رئاسية ثانية، مما يعيد توجيه الأنظار إلى تأثير شعار "أمريكا أولاً" الذي شكّل سياسات إدارته الأولى. على عكس صعوده المفاجئ في عام 2016، حيث يأتي فوز ترامب هذه المرة كقرار شعبي محسوم. ومع معرفتنا بأسلوبه السابق خلال رئاسته الأولى، يمكننا أن نتوقع كيف سيحاول قيادة الولايات المتحدة في السنوات القادمة، رغم أن العالم بات أكثر تعقيداً وخطورة.
وعلى الرغم من كونه متهماً ودجالاً وديكتاتوراً طموحاً، لم يفز دونالد ترامب بالمجمع الانتخابي فحسب، بل وأيضاً بالتصويت الشعبي وأغلبية في مجلس النواب (الكونغرس والشيوخ)، وهو الإنجاز الذي لم يحققه في عام 2016 كما لم يحققه بايدن في 2020، بفضل قاعدة ناخبين غير مكترثة توصف أحياناً بالرعاع أو بقطيع من الغنم كما أطلق عليها أحد الكتاب الأمريكيين منذ عقود خلت، وقادة أعمال متعطشين للربح مثل أيلون ماسك وغيره من رجال وول ستريت والسياسيون الجمهوريون الجبناء الذين يخافون منه.
يعود ترامب وفي جعبته رؤى مختلفة وسياسات أكثر حزماً نحو "التغيير الداخلي" وتفضيل المصالح الأميركية البحتة، مع فريق حاكم جديد يميل نحو "تحقيق الصفقات" وليس التحالفات، مما سيؤدي إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية وتأثيرها على ملفات عديدة منها روسيا وأوكرانيا، كوريا الشمالية، الصين، الشرق الأوسط، أمريكا اللاتينية وصعود اليمين الشعبوي في أوروبا.
دونالد ترامب نجح في نقل الحزب الجمهوري المحافظ إلى حزب شعبوي استقطب قطاعات واسعة من الناس وتحديدا من أوساط الطبقة العاملة سواء البيضاء أو السوداء أو اللاتينية أو من العرب الذين لم يصوتوا لكامالا هاريس نتيجة الموقف من عدوان الإبادة الجماعية وقضايا داخلية أخرى، وقد حصل ترامب أيضاً على حصته منهم ومن مؤيدين الحزب الديمقراطي نفسه.
وحتى بالنسبة لأنصاره الإنجيليين العقائديين، فهم على ما يبدو يعتقدون بأن اختياره تم أيضاً من قبل الله لتكون مهمة ترامب الإلهية تتلخص في تحرير المسيحيين (البيض) من "السجن" الذي أصبح أميركا الحديثة، وإعادة خلق البلاد كمعقل للقيم الإنجيلية، ولذلك هم يعتقدون أيضاً أن "يد الله" هي التي أبطلت رصاصة القاتل ضده في اجتماع انتخابي حاشد سابقا، وهؤلاء يتشكلون من غالبية الفلاحين وحتى الشباب البيض الذين باتوا يخافون من منافسة المهاجرين على وظائفهم ويتفقون مع ترامب في فكره العنصري وفوقيته البيضاء.
ورغم أن تلك الاسباب التي ذكرتها تحمل بعض التفسيرات لفوزه الكاسح، إلا أن شيئا آخر كما أشار له أحد المعلقين على الانتخابات والذي ربما يكون كامناً في جزء كبير من قاعدة ترامب، حيث قال "يرغب الكثير من الناخبين في رؤية مؤسسات بلادهم مدمرة لأسباب عدة مختلفة، وبدلاً من الخوف من تهديدات ترامب كديكتاتور للديمقراطية وسيادة القانون، فإنهم ينظرون إليه باعتباره كرة الهدم التي كانوا ينتظرونها“، وهو ما يفسر برأيي تنامي التناقضات الإثنية والطبقية والاجتماعية بالمجتمعات الأمريكية.
الآن وفي ظل هذه المتغيرات يعاد طرح سياسات شعار "أمريكا أولاً". وهو الشعار الذي شكل توجهات إدارة ترامب في ولايته الأولى، وتداعيات ذلك على سياسات الولايات المتحدة في الملفات الرئيسية التي ذكرتها بالبداية والتي سأتطرق لملخصها هنا لاحقا.
يمثل شعار "أمريكا أولاً" توجهاً لتفضيل المصالح الأميركية الداخلية على أي التزامات خارجية، ما يعكس نهجاً حذراً في استخدام القوى الأميركية على المسرح الدولي. لا يعني هذا بالضرورة الانعزال أو الانسحاب من المشهد العالمي، لكنه يميل إلى تقليص التدخلات الخارجية التقليدية والتركيز على إعادة توجيه الموارد لدعم الاقتصاد الأميركي والأمن القومي، بمقابل سياسات الحزب الديمقراطي التي اعتمدت تاريخياً الحروب خارج حدودها لنشر الديمقراطية المزعومة وبالشأن الداخلي على توجهات يعتقد عامة الناس أنها أضرت بمصالحهم وبمعتقداتهم المحافظة. ويُترجم ذلك عملياً على مستوى السياسات الدولية من جهة بخلق تحالفات تخدم أهداف الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وليس الالتزام الكامل بتحالفات عسكرية أو اقتصادية طويلة الأمد، لكنها قد تكون قصيرة ومتغيرة. ومن جهة ثانية على السياسات الداخلية بشأن مناهضة الاجهاض والضرائب والتأمينات الاجتماعية وفرص العمل.
الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، إعادة إطلاق "صفقة القرن" ورفع مستوى التحالف مع نتنياهو
من المرجح أن يسعى ترامب خلال فترة حكمه الثانية إلى إعادة إحياء "صفقة القرن" التي رفضتها منظمة التحرير، والتي يسعون من خلالها لتسوية ما يسمونه بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وهو في واقع الحال قضية استعمار استيطاني مستمر لحقوق شعبنا وأرضه لا يتوجب وصفه بالصراع، وذلك بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى. ورغم الضغوط السعودية باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل الذي يهدف منه ترامب إلى توسعة مسار اتفاقيات أبراهام، إلا أن ترامب قد يواصل تفضيله لنهج يرسخ هيمنة إسرائيل الإقليمية مع تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، وذلك من خلال دعم نتنياهو وتشديد الضغط على أي كيانات معارضة حتى في داخل اسرائيل.
إن ذلك يعني من جهة، احتمالية قيام الولايات المتحدة بإمكانية تقديم تنازلات جزئية للفلسطينيين لا تختلف عما قد عرض سابقاً ويمكن أقل من ذلك، ولكن مع الإبقاء على الأهداف الاستراتيجية الكبرى لـ"صفقة القرن"، مثل التطبيع الإقليمي بما يشمل لبنان أيضاً بدون تحقيق عدالة فعلية للقضية الفلسطينية تقتضي إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير لشعبنا وإقامة دولته ذات السيادة. هذه السياسة قد تؤدي إلى توتر متزايد في المنطقة، خاصة مع استمرار الرفض المعلن لمعظم الدول العربية والمسلمة حتى الآن بقبول هذه الصيغة السابقة التي تعتبرها انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطيني. إلى جانب ذلك، هناك تأثير متزايد للنفوذ الإيراني اليوم بهدف السعي لضمان مكانة لهم بالترتيبات الجيوسياسية بالمنطقة في غياب مشروع قومي عربي بكل حسرة. هذا النفوذ إلى جانب دور روسيا والصين وإلى حد ما تركيا، وفي سوريا ولبنان واليمن قد يهدد توازن القوى التقليدي في الشرق الأوسط ويزيد من تعقيد التحديات أمام سياسات واشنطن الجديدة في المنطقة خاصة مع استمرار عدوان الإبادة، ومن الممكن أن يتمكن نتنياهو من جر ترامب إلى حرب واسعة مع إيران إن لم يصل ترامب إلى صفقة ما بشأن الملف النووي مقابل مكاسب أمريكية.
هذه التطورات والتي تأتي تباعا لسياسات الحزب الديمقراطي التي وقفت وشاركت في عدوان الإبادة بحق شعبنا سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً إلى جانب إسرائيل وحمايتها، ستشكل حلقة جديدة من مسلسل الأمريكي البشع في استمرار اضطهاد شعبنا والتنكر لحقوقه بشكل جديد ولربما بمخططات مبتكرة قد تتضمن شكل من الكيان في غزة وجزء من سيناء وجزر بحكم ذاتي دون القدس وأراضي المستوطنات والغور والخليل بالضفة الغربية وتقديم صفقات اقتصادية كبديل عن الحرية والتنمية، مما يستدعي من الآن مراجعة علاقاتنا مع الولايات المتحدة بهدف الوصول إلى رؤية وخطة عمل وطنية موحدة وواضحة لمواجهة ذلك حتى نصل بشعبنا إلى الحرية والاستقلال الوطني.