- جيش الاحتلال: رصد إطلاق عدة صواريخ من لبنان نحو تل أبيب
- قصف جوي إسرائيلي في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة
- القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباح
نورهان المدهون: حزمت حقيبتها المدرسية ووضعتها إلى جانب سريرها، فلم تغمض عيونها تلك الليلة، وهي تنتظر شروق الشمس، لتنطلق في رحلة شوق إلى زهرة المدائن، فمشاهد مدينة القدس لم تغب عن بالها حيث أشجار الزيتون على طول الطريق تسر الناظرين، وروعة بنائها وطرقاتها وسوقها، ورائحة خبزها المزين بالسمسم.
لم يكن في حسبان نوران البلبول "20 عامًا" من بيت لحم، التي كانت آنذاك طفلة "14 عامًا"، ما حدث لها في الـ 14أبريل/نيسان 2016، عند صراخ مجندة الاحتلال متهمة إياها بحيازة سكين داخل حقيبتها.
تقول نوران مستذكرة اعتقالها، "في طريقي إلى القدس المحتلة برفقة عمتي، تم اعتقالي على الحاجز الشمالي لبيت لحم والمعروف بمعبر -300-، ونجوت من الموت بأعجوبة".
تستكمل بصوت مرتجف، "بمجرد أن رأت المجندة أوراقي، يبدو أنها علمت أنني ابنة الشهيد أحمد البلبول الذي اغتيل عام 2008، لذلك طلبت منى خلع ملابسي على الحاجز وعلى مرأى الجميع بحجة التفتيش، فرفضت وحدثت مشادة كلامية بيننا، فصرخت المجندة بأعلى صوتها: مخربة تحمل سكينا".
اختلطت الأصوات بين جمهور المتواجدين من الفلسطينيين وهم يصرخون –لا يوجد سكين- وبين جنود مدججين بالسلاح ومصوبين أسلحتهم نحو الطفلة نوران، والتي كادت أن تفقد صوابها من هول المنظر.
تشاركها والدتها سناء البلبول الحديث مستحضرة الموقف، "عندما وصلني خبر اعتقالها، ظننت أنهم أطلقوا النار صوبها وأعدموها، كدت أن أفقد عقلي حينها وسارعت في الذهاب إلى مكان اعتقالها".
تلتقط أنفاسها متنهدة مستذكرة قول العمة، "أخذوا نوران مني"، وتستكمل الأم، "حين وصلت لمكان اعتقالها وسألت الجنود عنها، تعاملوا معي بوحشية وقاموا بإهانتي، فصرخت -أريد أن أري ابنتي أو أموت هنا- فقام أحد الجنود بضربي بالبندقية وركلي برجله، فاستجمعت قواي وعدت للبحث عن محامِ ".
سلطات الاحتلال تحرم الأطفال الأسرى من أبسط الحقـوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، والاتفاقيات الحقوقية، وهذه الحقوق تشتمل: الحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي، والحق في معرفة سبب الاعتقال، والحق في الحصول على محامٍ، وحق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، والحق في الاعتراض على التهمة والطعن فيها.
" إنتا وإسرائيل تحت رجلي.. راح نتعكز على بعض"هذا ماردت به نوران على ضابط الشاباك الإسرائيلي أثناء التحقيق معها، حيث هددها باعتقال والدتها وأخويها، وأخبرها أنه يصيب الشباب الفلسطيني بأرجلهم كي يتركهم معاقين، وذلك قبل أن يحولها إلى المسكوبية، مضيفًا لها تهمة جديدة وهي تهديد أمن إسرائيل.
تردف نوران، "أمضيت أسوأ أيامي في التحقيق، أمام 4 محققين لا شفقة ولا رحمة في قلوبهم، خلال 18ساعة لم يقدم لي طعام أو شراب، وكلما غلبني النعاس ركلوني بأقدامهم لإيقاظي ".
تبتلع ريقها وتستأنف، "وضعوني في غرفة باردة، مكبلة اليدين، وأحضروا صور والدي الشهيد وهو مضرح بالدماء وأخبروني أنهم قتلوه وسيقتلونني وعائلتي ".
الاحتلال لا يراعي حداثة سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة ولا يشكل لهم محاكم خاصة، بالإضافة إلى أنه يحدد سن الطفل بما دون الـ16 عامًا، وذلك وفق الجهاز القضائي الصهيوني الذي يستند في استصدار الأحكام ضد الأسرى الأطفال إلى الأمر العسكري رقم "132"، والذي حدد فيه سن الطفل بمن هو دون الـ16عامًأ، وفى هذا مخالفة صريحة لنص المادة رقم "1" من اتفاقية الطفل والتي عرفت الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الـ18".
تصف نوران حافلة النقل البادرة المظلمة، بـ"ثلاجة الموتى"، قائلة، "وقفت أصرخ من شدة الألم والبرد على الرغم من ارتدائي جاكيت مصلحة السجون، فأطل أحد الجنود برأسه من الشباك، وسألني: ماذا تريدين؟، رأسي يؤلمني ولا أستطيع الوقوف، فرد: إخرسي، فقمت بشتمه، فانهال عليا بالضرب والشتائم وقام بشد الكلبشات "القيود" على يدي وأوقعني أرضًا".
يخيم الصمت قليلًا، وتستأنف الوالدة سناء، "لم يكتفي الاحتلال بسلب حرية طفلتي الصغيرة نوران، بل قام جنوده برفقة الكلاب، باقتحام منزلي وتفجير الباب، والعبث بكل ممتلكاتنا واعتقال ولداي محمد ومحمود البلبول، اعتقالًا إدرايًا دون توجيه أي تهم".
تكمل بنبرة ملؤها الأسى والحزن، "لحظة اعتقال ولداي، لم أتمالك أعصابي طلبت من الجنود أخدي إلى السجن مع أبنائي، فما كان من الجندي إلا أن يرمقني بنظرات الخبث والشماتة، قائلًا: سأجعلك تمضين عمرك بين السجون لزيارتهم، وبالفعل أمضيت أشهر عديدة بين السجون والمحاكم والمحامين ".
تتدخل نوران، "عند سماعي خبر اعتقال أخواي، بكيت وتألمت وصرخت حتى جاؤوا السجانين واعتدوا عليَ داخل السجن، ولم أجد سوي الأسيرات يخففن عنى الصدمة".
تعود نوران إلى ذكريات السجن، حيث ضيق المكان وانعدام الخصوصية والحشرات التي تعيش بينهم قائلة، إنها" 4 أشهر من العذاب داخل جدران كئيبة، وأكثر ما يدمي القلب الإهمال الطبي، فالأسيرات مريضات وجريحات ومصابات، يصرخن ويتألمن ولا أحد يهتم، وعندما يتم نقلهن للمستشفى، يُنقلن بالحافلة التي تشبه ثلاجة الموتى مكبلان الأيدي".
القوانين الدولية تنص على ضرورة الرعاية الطبية للأسرى وقد جاء في المادتين 91 و92 من اتفاقية جنيف الرابعة، "يجب أن تتوفر في كل معتقل عيادة مناسبة، يشرف عليها طبيب مؤهل، وأن يحصل المعتقلون على ما يحتاجونه من رعاية طبية".
بتنهيدة الوجع تستأنف نوران، "كانت فرحتي منقوصة عندما تم الإفراج عنى، فوجود أخواي في الأسر بقي كالجرح النازف".
بنبرة الفرح والانتصار ترد والدة الأسري المحررين، "اكتملت الفرحة بالإفراج عن محمد ومحمود بعد قضاءهم 6 أشهر من الاعتقال الإداري، واحتجاجهم بالإضراب عن الطعام 82 يومًا".
بصوتهم الشجي تردد الأم وطفلتها الأسيرة المحررة نوران البلبول الأغنية الوطنية المفضلة لدى العائلة، "لو رحل صوتي ما ترحل حناجركم، عيوني على بكرا وقلبي معاكم".