- قصف جوي إسرائيلي في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة
- القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباح
لم تكن الازمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا وليدة الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ بل هي أزمة يزيد عمرها عن ثلاثة عقود، بدأت بسقوط جدار برلين في العاشر من نوفمبر عام1989 من القرن الماضي وتفكك الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو، وهو ما فتح شهية الغرب ممثل بحلف شمال الأطلسي الناتو في التوسع شرقا من حدود جدار برلين بين الألمانيتين في حينه حتى وصل اليوم إلى حدود روسيا الاتحادية الغربية؛ والتي هي الحدود الأوكرانية الروسية.
وخلال العقود الثلاثة الماضية بذل الغرب ممثلا بالناتو جهدا كبير لتقييد حدود الأمن القومي الروسي؛ وذلك عبر فرض أمر واقع على الأرض يتمثل بضم دول فى أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو حتى وصل الأمر إلى ضم بولندا عاصمة حلف وارسو إلى حلف الناتو، ولم يتوقف الحلف عند هذا الحد بل ضم لاتفيا ولستونيا ولوتوانيا الملاصقة لروسيا وعرض الضم في النهاية على كل من جورجيا وأوكرانيا لكن العرض الأخير والذى جاء في عام 2008 على الدولتين من الواضح أنه قد جاء متأخرا؛ فقد كان الدب الروسي قد تعافي من علله؛ وهو ما أجل خطط الغرب أو بمعنى أصح أعاق تنفيذها في جورجيا وأوكرانيا لأكثر من عقد ونصف.
ولكن يبدو أن تطورا تكنولوجيا وازنا قد حققته روسيا الاتحادية في المجال العسكري يعطي الروس تفوقا على من سواهم من القوى العظمي؛ وهو من دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى أن يقلب الطاولة في وجه الغرب بهذه القوة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة عبر فرضه واقعا عسكريا جديدا على الأرض حول أوكرانيا؛ وإن كانت الأخيرة هي رأس جبل الجليد إلا أن عين الروس ترنو إلى أبعد كثيرا من أوكرانيا نحو إعادة رسم الحدود الجغرافية للأمن القومي الروسي، وهذا في الحقيقة ما يرعب الغرب وخاصة أوروبا التي لا زالت تذكر ملامح التجربة النازية القاسية؛ والتي بدأت بأسلوب مشابه لما يحدث، أما مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية فتقبع فيما سيأتي بعد هذه الأزمة وعينها ترقب التنين الصيني الذى لا زال يلتزم الصمت والهدوء ليرى كيف سيتصرف الغرب مع الروس ليستفيد من دروسها في معركته القادمة في تحديد حدود الأمن القومي الصيني في المحيط الهادي، وهي معركة تدرك الإدارة الامريكية أنها لن تكون سهلة وإن ما سيحدث في الأزمة الأوكرانية سوف يكون له بالغ الأثر على معركتها القادمة مع الصين.
إن الأزمة الأوكرانية وتداعياتها سوف يكون لها بالغ الأثر على خارطة الجغرافيا السياسية في العالم وخاصة على أوروبا ودول المحيط الهادي شرق أسيا سواء انتهت نهاية عسكرية أو سياسية على طاولة مفاوضات، وهو في الأغلب ما أرجحه لكون النهاية الأخرى ستكون لها نتائج لا يمكن لأى طرف تحملها باستثناء روسيا والولايات المتحدة الأمريكية واللذان يمثلان النواة الصلبة في كلا الطرفين المتصارعين في الأزمة الحالية.
أما عن التداعيات السياسية التي يمكن أن تطال منطقة الشرق الأوسط؛ فإنها لن تكون عميقة نظرا لأن منطقة الشرق الأوسط تقع ضمن مناطق النفوذ التي حسم أمرها سلفا؛ ولكن هذا لا يمنع من حدوث بعض التفاعلات التكتيكية ذات الصلة بروسيا والولايات المتحدة في كلا من الملف السوري؛ والذى بدأنا نرى بعض هذه التغيرات فيما تقوم به روسيا من بدء تفعيل منظومات رادارات مضادة للطائرات متقدمة وأخرى للتشويش مما أثر على حركة الملاحة في المطارات الاسرائيلية، وقد تتطور الأمور في هذا الصدد نحو حرمان اسرائيل من حرية حركة طائراتها في المجال الجوي السوري. أما فيما يخص الملف النووي الايراني فربما تكون التفاعلات بشكل أقل وعلى المدى البعيد، وهذا بالضرورة مرتبط ارتباطا وثيق بما سوف تؤول له الأمور سواء بسواء.
وفى الختام.. إن انتهت الأزمة في ميدان المعركة أو على طاولة المفاوضات وهو الأرجح ستكون ثمة تداعيات اقتصادية عميقة بالسلب والايجاب على دول المنطقة؛ وقد بدأت ملامحها في الظهور الآن وأولها زيادة أسعار مصادر الطاقة كالنفط والغاز؛ فهي وإن كانت سلبية على بعض دول المنطقة فإنها ايجابية على الدول المصدرة؛ فقد لامس سعر برميل خام برنت في العقود الآجلة بالأمس 95 دولار، وفى حال نشوب حرب فإن هذه الأسعار قد تزيد بمتوالية هندسية خاصة، وكذلك صادرات الغاز من روسيا إلى أوروبا سوف تتوقف عبر خط نورث ستريم؛ وهو ما دعى قادة الغرب الأوروبيين للاستعداد إليه في حال حدوث غزو ضمن حزمة عقوبات قاسية سيتم فرضها على روسيا. وبالتأكيد فإن أزمة طاقة من هذا القبيل سوف يكون لها تداعيات اقتصادية على اقتصاديات دول المنطقة خاصة منها الضعيفة؛ والتي أضعفتها جائحة كورونا خلال العاميين الماضيين؛ إضافة إلى ذلك أن جملة من السلع الاستراتيجية كالقمح والتي تعتمد العديد من دول المنطقة فى تأمينها على أوكرانيا وروسيا سوف تتأثر إن لم تتوقف وهو ما قد يحدث أزمة اقتصادية مركبة لدى تلك الدول ذات الاقتصادات الضعيفة.
إننا أمام صراع إمبراطوريات تجيد فيه جميع أطرافه لعب سياسية حافة الهاوية لتحقيق أهدافها طبقا لموازين القوة التي تحسب بميزان الذهب، وفى المقابل ثمة قادة عباقرة لدول أصغر وأضعف بمقدورهم الاستفادة من أزمات كتلك لتحقيق مصالح سياسية أو حتى تغيرا استراتيجيا لكن هذه النوعية من القادة نادرة ولا تتوفر فى منطقة الشرق الأوسط.