اليوم الاحد 24 نوفمبر 2024م
تأثير المنخفض الجوي على النازحين في دير البلحالكوفية النازحون.. هروب من جحيم القصف إلى مأساة الغرقالكوفية تطورات اليوم الـ 415 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية 35 شهيدًا و94 جريحًا في 4 مجازر إسرائيلية بغزةالكوفية الاحتلال يهاجم طلبة مدارس الخضر جنوب بيت لحمالكوفية مسؤولون إسرائيليون : ترامب القادر على اقناع نتنياهو بإنهاء حرب غزةالكوفية جيش الاحتلال: رصد إطلاق عدة صواريخ من لبنان نحو تل أبيبالكوفية الإعلام الحكومي: الاحتلال يستهدف المنظومة الصحية بغزة بشكل مخططالكوفية نتنياهو يطلب تأجيل شهادته أمام المحكمة في ملفات الفساد بذريعة مذكرات الاعتقال في الجنائية الدوليةالكوفية عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصىالكوفية قصف جوي إسرائيلي في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزةالكوفية الدفاع المدني يُحصي خسائر بقيمة مليون و300 ألف دولار جراء الحرب على غزةالكوفية القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباحالكوفية بلدية خانيونس تعلن توقف مضخات ومحطات الصرف الصحي عن العملالكوفية إصابتان في استهداف طائرة مسيّرة (كواد كابتر) مواطنين بمنطقة الزنة شرقي خانيونس جنوب قطاع غزةالكوفية لبنان.. 12 شهيدًا بمجزرة إسرائيلية في "شمسطار"الكوفية "ألماس".. حزب الله يستنسخ الصواريخ الإسرائيليةالكوفية مستوطنون يعتدون على مواطنين بمسافر يطا جنوب الخليلالكوفية شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزةالكوفية تشكيلة ترامب للمناصب في إدارته الرئاسية – طالع الأسماءالكوفية

غزة التي توزع دمها بين القبائل

10:10 - 14 يناير - 2022
أكرم عطا الله
الكوفية:

لن تتوقف دموع غزة التي تنهمر بلا حساب، فقد فاض القهر الممتد من اليابسة إلى البحر. لسنوات وهي تبكي ألمًا امتلأت به كل جرار الحزن ولسنوات وهي تبحث عن كسرة حياة يلقيها القدر من جدار سميك، كأنه يصدر عليها حكمًا بالإعدام البطيء وبلا استئناف، لكثرة ما ارتطم الحلم على أرصفتها حد الإدماء.
كأنها عقدت قرانها على العذاب الذي أصبح رفيق دربها وسيد رحلتها أينما يمّمت وجهها يأتيها الموت بحبل موجة حملت أبناءها للبعيد، أو قناص يجلس على أطرافها يصطاد أبناءها كأنه في رحله صيد، أو بطائرة مسحت ذاكرة نارها ولم تعد تعرف غير سماء هذه المنطقة البائسة وشوارعها وبيوتها ومخادع أطفالها، أو من بيروقراطية موظف تحويلات حالت دون الموت لطفل أو مستشفى يغلق بابه على الوجع أو فقر ينهش عظاماً باتت تبحث فقط عن خيارات موتها لأن خيار الحياة أصبح ترفاً يتباعد كلما أوغل الزمن حاملاً معه ما يكفي من الكوابيس.
أية بقعة تلك التي يمتد فيها الوجع كل هذه السنوات أو العقود وربما القرون كأنها منسية أو يتيمة بلا أب، أو كأن أسطورة العرافة التي جاءت تقرأ مستقبلها لحظة ميلادها وكانت الطفلة الشقية غزة تبكي وتحرك أيديها لتقتلع بحركة عفوية عين العرافة لتقول الأخيرة بغضب: «كوني معذبة للأبد».. وكانت...، ومن يتابع تاريخ هذه المنطقة الصغيرة يدرك أن ما يحدث فاق حدود المنطق في الصراعات والحروب والمآسي، كنت أظن أن أطول حصار كان على العراق والذي استمر اثني عشر عامًا، ولم أتخيل أن هناك منافساً للحزن لا يقبل أن يسبقه أحد، فكانت غزة تتربع على عرشه الدامي.
من يخلّص غزة من هذا البئر الذي لا قاع له وهي تهوي باستمرار، وكل عام يحمل من البؤس ما يجعل ما سبقه أقل وطأةً بما لا يقاس؟ من يرحم غزة التي تسير في درب الآلام بلا توقف، ويندلق فيها الحنين على الطرقات وفي البيوت وعلى صفحات «السوشيال ميديا» التي تطفح بوقائع وأحداث، كأن فيكتور هوغو يكتب الجزء المائة من روايته الشهيرة.
من يرحم غزة التي ظلمتها السياسة والتاريخ والجغرافيا، وكل واحدة من هذه كانت تصب غضباً على هذه البقعة الصغيرة التي باتت تحكمها «حماس» خارج أي اعتراف، وتمنى رابين أن يصحو فيجد البحر قد ابتلعها، وتتمنى السلطة أن غزة لو كانت خارج ولايتها، وتتمنى مصر ألا تكون غزة على حدودها. فقد تحولت إلى عبء ثقيل على كل هؤلاء وحتى إلى صداع على مائدة الرئيس الأمريكي.
غزة عبء على حركة حماس التي لا تستطيع حكمها وتحمل مسؤوليتها ومسؤولية أكثر من مليونين من البشر، عندما طردت السلطة دون أن تدرك تعقيدات السياسة، وبتجربة مريرة استمرت عقداً ونصف، وستستمر أكثر لأن الانقسام هدية اسرائيل، ولن تتركها «حماس» لأنها تعتبرها مستقبل الحركة بل ومستقبل جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها البقعة الأخيرة لأحد نماذجهم في الحكم، غزة عبءٌ على السلطة التي انطردت بالقوة وتتمنى أن تخلي مسؤوليتها بالكامل وتلقيها على أكتاف مالكها الجديد ليغرق أكثر، والمثير أن «حماس» تطالب السلطة بتحمل مسؤولياتها كأنها تطلب من خصمها اللدود إنقاذ التجربة، «حماس» فازت في الانتخابات، والسلطة تم طردها بالقوة المسلحة، وكلٌ معه الحق. وفقط هم أبناء غزة الذين تتجسد تجربة الصراع على جلودهم وأرواحهم، وحدهم من لا يملكون أي حق حتى حق الشكوى والأنين.
غزة عبء على مصر التي شاء قدر الجغرافيا أن تجاورها براً وبحراً، ومن العبث الاعتقاد أن مصر معنية بإنجاح تجربة الإسلاميين في هذه المنطقة وهم أبناء التنظيم اللدود للدولة المصرية. وهنا يتساءل الغزيون عن رحلة السفر وكل تلك المعاناة التي تستمر لأيام، عبءٌ على مصر ولكن في تخفيف هذا العبء ثمن سياسي فادح حين تجد القاهرة أن غزة أصبحت في حضنها، فتلك ذروة تحقق المشروع الإسرائيلي بإبعادها وإلقائها خارجاً، وما بين الحلم بتخفيف الإجراءات وبين خوف الساسة الغزيين أسرى قدر ثنائية الخسارات والعذاب.
غزة كابوس لإسرائيل، فهي التي انتجت الحركة الوطنية بشقيها العلماني والإسلامي «فتح» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ودفيئة الثورة وياسر عرفاتها، وتمعن يومياً في خنقها لتصفي معها حساب التاريخ الطويل في عملية أشبه بمسح دماغ الوعي أو كيّه، لأن تلك المنطقة تجرأت على المشاكسة، وهذا ذنبها الذي ظل يرافقها ويرافق أبناءها.
رحمةً بغزة، فقد بكى فيها الرجال وعشش الحزن في أزقتها، وأصبح الرثاء مهمتها اليومية من طلوع فجرها حتى المغيب، تتأهب لانتظار مأساة أو خبر مفجع لتفتح من جديد جرار حزنها التي لا تنغلق، فالبحر من أمامها والعدو من ورائها والحزن يحيط بها من كل الجهات، ولا مفر سوى الأنين بانتظار موت لديها فائض من أسبابه ما يكفي لتغطية مساحة تتجاوز فيها الجغرافيا الصغيرة والتاريخ الطويل. مَن المسؤول عن هذا؟ لا أحد، فقد توزع دمها بين القبائل.
من يرحم غزة من واقع شديد التعقيد وجد أبناؤها فيه أنفسهم أسرى صراعات أكبر من قدرتهم على التحمل، ولسنوات طويلة كانت تكفي لحرب عالمية وسلام عالمي، ولكنها لم تكن تكفي لحل أزمة غزة وإنهاء الانقسام، فأي عبث هذا؟ الأسوأ.. هناك بشر في غزة وآدمية تشبعت وحملت للمستقبل ما يكفي من الآلام، ولم تعد تحتمل أكثر، مَن ينقذ غزة من هذا الجحيم المركب والذي يتراكم كل يوم؟ لا أحد..! سوى أن تستمر في موتها الرحيم.. وبلا رحمة..!

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق