- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
الحزب الشيوعي طرح مفهوم الدولة الواحدة عام 1944 بدعوته للتطور الديمقراطي لفلسطين والتحرير في ظل دولة واحدة، وبعد عام 1967 كان في أجندة الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين الدولة الديمقراطية الواحدة، وطرحت حركة فتح في بداية سبعينيات القرن العشرين مفهوم "الدولة الديمقراطية العلمانية"، ولاحقا تم التحول لمفهوم البرنامج المرحلي "النقاط العشر" في العام 1974 وتبنته منظمة التحرير الفلسطينية، بينما تحول الحزب الشيوعي "حزب الشعب الفلسطيني حاليا" لمفهوم الدولتين والذي تم اعتماده رسميا في اتفاق "أوسلو" الموقع بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 وحصل على دعم دولي وأصبح يُعرف ب"الشرعية الدولية" المُعتمدة لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، حيث جاء قرار الأمم المتحدة 19/67 في عام 2012 ليؤكد ذلك ويُقر بدولة فلسطين كدولة غير عضو "مثل الفاتيكان" في الأمم المتحدة والتي جغرافيتها تتحدد بالأراضي التي تم احتلالها في الرابع من حزيران عام 1967.
المقدمة
مؤخرًا طفت على السطح وإن كان بشكل خَجول فكرة ومفهوم الدولة الواحدة ما بين البحر والنهر، وطَرحت بعض النُخب القيادية والفكرية الفلسطينية وعلى رأسها قائد "التيار الإصلاحي الديمقراطي" في حركة فتح "محمد دحلان" هذا المفهوم من جديد معتبره "خيار تحدي" بعد أن كان هو الشعار الاستراتيجي للعديد من الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة "فتح" (دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية).
الجديد في الأمر هو مناقشة ذلك في معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي "INSS" ووضعه لأربع سيناريوهات لهذا المفهوم، ومن الطبيعي أن يكون مفهوم الدولة الواحدة لدى معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي مرتبط بفكرة ضم "الجيوديموغرافيا" الفلسطينية أكثر من كونه مفهوم يُلبي الطموحات القومية للشعب الفلسطيني كشعب وكجغرافيا. مفهوم الدولة الواحدة هو حل مُقترح للصراع الإسرائيلي العربي وهو يشمل ما يعرف حاليا ب "دولة إسرائيل" و "الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة" وبحيث يؤسس للمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات القومية والمدنية وغيرها.
السؤال المهم ووفقا لموازين القوى القائمة: كيف تنظر النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية لهذا المفهوم؟!!!
وفقًا لما طرحه معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي في مناقشته لمفهوم الدولة الواحدة، فإن الأساس هو كيفية الحفاظ على دولة "يهودية وديمقراطية" بمعنى معالجة وتقييد الديموغرافيا الفلسطينية وفق أسس دستورية غير قابلة للتغيير ومستثنى منها قطاع "غزة" إلا وفق شروط غير ممكنة على المدى المنظور، إذاً كل شيء مرتبط بمفهوم "يهودية" الدولة وهنا ومنذ البدء يتم نسف المفهوم الحقيقي للدولة الواحدة لأن النظرة القومية دون الأخرى يؤسس لمفهوم "الأبارتهايد" القائم حاليا بفعل الاحتلال ليكون نظام مُمنهج تقبل فيه القومية العربية الفلسطينية مقابل حقوق مدنية لا قومية سياسية مع السماح بمظاهر تراثية ثقافية فلسطينية احتفالية، وحين النظر سريعا للسيناريوهات الأربعة التي طرحها معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي "INSS" نكتشف أن المعضلة الأساسية جوهرها التوجهات الاستراتيجية الصهيونية المرتبطة بمفاهيم تلمودية، ف "غير" اليهود "الغويم" لهم حق العيش بين اليهود ولكن وفق شروط ومفهوم "السادة" و "الخدم"، وهنا "السيد" له مطلق الحرية في العيش كمواطن له كامل الحقوق، في حين "الخادم" عليه أن يحمد ربه على سماح "السيد" له بالعيش والتنفس ب "أوكسيجين" النظرية "التلمودية".
السيناريوهات المقترحة
معهد دراسات الأمن القومي ينطلق من افتراض مفاده أن السنوات الأخيرة شهدت نقاشا متزايدا حول موت "حل الدولتين"، واستبداله بنموذج "الدولة الواحدة"، الدراسة الإسرائيلية تتناول أربعة نماذج للحل: "دولة واحدة بين البحر والأردن"، دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمن "حكما ذاتيا" فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)، اتحاد فيدرالي مقسم لمقاطعات/أقاليم يهودية وفلسطينية، كونفدرالية فلسطينية-يهودية "القدس العربي، قراءة فلسطينية في دراسة إسرائيلية جديدة حول نماذج حل الدولة الواحدة وفرص تطبيقها، 4/1/2022، وديع عووادة".
هذه الدراسة تقترح حلول للصراع الإسرائيلي العربي من خلال وضع حلول للقضية الفلسطينية من منطلق ديموغرافي وبما يحافظ على توجه الحركة الصهيونية المرتبط بمفهوم يهودية الدولة ويحافظ على الحد الأدنى من نقاءها اليهودي ويحقق بالأساس التحكم والسيطرة على الشعب الفلسطيني من خلال إعطاءه حقوق مدنية بعيدا عن مفهوم الحقوق القومية المتساوية وهي بالأساس تَقرأ الواقع الحالي بما يشمل "الضفة الغربية والقدس" في حين "قطاع غزة" مُستبعد إلا وفق شروط تعجيزية.
الدراسة تحاكي بالأساس توجه اليمين الاستيطاني التلمودي وتُحقق تطلعاتها في استيطان الضفة الغربية والقدس باسم الدولة الواحدة، وحين النظر للتفاصيل المقترحة لكل "سيناريو" سنجد أن القاسم المشترك هو كيفية إنهاء أي تطلعات قومية للشعب الفلسطيني ومنع تشكل دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة بين البحر والنهر من جهة، ومن الجهة الأخرى عملية تجميلية بالسماح للسكان في هذه الجغرافيا بالتمتع بحقوق "مدنية+" في ظل دولة إسرائيل اليهودية الواحدة من البحر للنهر "بدون غزة"، ومهما كان السيناريو، إذا كان سيناريو المعازل والحكم الذاتي الفلسطيني أو الفيدرالية أو الكونفدرالية أو الدولة الواحدة كجغرافيا، فالهدف كيفية تحقيق دولة يهودية على أرض الواقع وبدون تنغيص الديموغرافيا.
المعضلة الأساسية ليس في الدراسة فحسب بل في العقلية الصهيونية التي تحاكي الواقع الحالي وفقا لاستراتيجية دولة يهودية ديمقراطية، لذلك تخلص النتائج دائما لمفهوم آخر وهو دولة "الأبارتهايد" بين البحر والنهر، بينما النخب الفلسطينية ترى الدولة الواحدة بعيون المساواة والمواطنة وبما تشمل "غزة" وبغض النظر عن القومية والديانة، لذلك مهما كانت الحلول المطروحة والدراسات التفصيلية فهي تحاكي واقع مرحلي ولا تؤسس لحل استراتيجي متغير الثبات كمفهوم للتطور المستقبلي وليس كمفهوم انقلابي، أي أن الدولة الواحدة بحاجة أولا لنفي الفكرة الصهيونية الاستعمارية لصالح فكرة المواطنة والمساواة بغض النظر عن الإثنية والديانة والمذهبية.
عندما تُناقش مراكز البحث الإسرائيلي أي فكرة للحل فهي تستند بالأساس للطابع اليهودي والديمقراطي مرتبطا بمفهوم الديموغرافيا، لذلك تأتي المقترحات تجميلية بجوهر عنصري لأن مرجعيتها "صهيو تلمودية"، ف "الديموغرافيا" تهدد "يهودية" الدولة و "ديمقراطيتها" بالنسبة لهم، لذلك يجب ثني هذه "الديموغرافيا" وتحويرها بما لا يؤثر على مفهوم النقاء "اليهودي" للدولة ليس كأغلبية سياسية وقومية فقط، وإنما كجوهر "تلمودي" يُعطي حقوق مدنية ودينية للساكن بين ظهرانيهم كأمر واقع لا يمكن تغييره ومستحيل التخلص منه بدون عملية تهجير شاملة، لكنها ممكنة في ظرف ما ولحظة مناسبة قد تأتي مستقبلاً، وحتى يأتي المُمكن فلا مجال إلا بقبول هذا الساكن وفق شروط ومحددات عليه قبولها كأمر واقع أو باختياره.
كُل الحلول التي يتم طرحها إسرائيليا ووفقا للعقلية السائدة ليست سوى دعوة للاستسلام والقبول بواقع القوة المسيطرة والمدعومة من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لكن التاريخ يُنبؤنا بأن هناك لحظات تَحدث فيها انعطافات متسارعة لا تُغير الواقع فحسب بل تُحوله لمأساة سيتحمل أعباءها اليهود والفلسطينيين في جغرافيا ما بين البحر والنهر.
اقف شخصيًا مع مفهوم "الدولة الواحدة" كنظام سياسي مدني يستند لدستور المواطنة ولا غَلَبة لقومية على أخرى ولا تَفوق لدين على آخر، فالكل مواطن في الدولة والله للجميع و "نافذة الفرص" وفق تعبير "عاموس يادلين" رئيس المعهد القومي الإسرائيلي "INSS" تضيق على "إسرائيل" قبل غيرها وانتظار "المسيح الفلسطيني" لصنع السلام مع "إسرائيل" وفق رؤيا القوة ومزيدا من القوة لن يأتي بل لم ولن يولد، هي فرصة واحدة لا غير أمام الجميع، العيش معاً بما يحفظ الحقوق القومية للشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي، وبعيداً عن أيديولوجيات الشر التي تدعو للعنصرية أو الإبادة.