ترمب والاحتياطي الفيدرالي ؛ نزاع حول سعر الفائدة وتداعياته على فلسطين والأسواق العالمية

ترمب والاحتياطي الفيدرالي ؛ نزاع حول سعر الفائدة وتداعياته على فلسطين والأسواق العالمية
الكوفية في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انتقاداته الحادة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، مؤكدًا على ضرورة خفض أسعار الفائدة إلى مستوى 1% ، تتباين الآراء حول جدوى وفوائد هذه الخطوة ؛ ترمب يرى أن خفض الفائدة بهذا الشكل سيخفف من تكاليف الاقتراض الحكومي، مما يتيح للإدارة الأمريكية تمويل العجز المالي المتزايد الناجم عن قانون الإنفاق وخفض الضرائب الذي أُقر سابقًا. لكن محللين اقتصاديين وتحليلات منشورة، مثل تقرير وكالة رويترز، تلمّح إلى أن هذا الانخفاض الحاد في سعر الفائدة قد لا يعكس صحة الاقتصاد بل قد يكون مؤشرًا على أزمة مقبلة، خصوصًا إذا ما فسّر المستثمرون هذا التحرك على أنه استجابة لضغوط سياسية.
الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي لا يعاني من مؤشرات أزمة واضحة، حيث ما زالت معدلات التوظيف في مستويات قريبة من التوظيف الكامل، والنمو الاقتصادي مستقر نسبيًا، فيما لا يزال التضخم متجاوزًا الهدف الذي حدده البنك المركزي عند 2%. لذا فإن خفض الفائدة بشكل كبير قد يؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر سلبًا على استقرار الاقتصاد على المدى المتوسط.
أما على صعيد سعر صرف الدولار/ شيكل وهو ما يهم الفلسطينين، فقد شهد سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي تقلبات ملحوظة خلال الشهور الأخيرة، إذ انخفض من مستوى يزيد عن 3.75 شيكل للدولار إلى حوالي 3.35 شيكل في يوليو 2025. هذا التراجع الأخير جاء رغم التراجع العالمي للدولار، حيث سجّل الدولار مقابل الشيكل تراجعًا مؤقتًا إلى 3.30 شيكل، ثم ارتد إلى 3.35. هذه التقلبات أثرت على الاقتصاد الفلسطيني بشكل معقد؛ فقد خفّضت عبء الأقساط الدولارية على المدينين الفلسطينيين الذين يتقاضون رواتبهم بالشيكل، لكنها في الوقت ذاته أربكت حسابات البنوك وباقي الشركات ذات العلاقة ، وأثرت على المصدرين الفلسطينين حتى ولو كان التصدير الفلسطيني ما زال في أطوار غير مؤثرة ، وكل ما سبق عمّق هشاشة السوق المحلي. إضافة لذلك، أثرت هذه التقلبات على مدخرات المواطنين المحتفظين بالعملات الأجنبية، وعلى المطورين العقاريين وكافة المتعاملين بعملة الدولار والدينار كعملة تسعير لمبيعاتهم مما زاد من حالة عدم الاستقرار المالي بين شرائح واسعة من السكان ويضاعف هشاشة الاقتصاد الفلسطيني وعلى قدرة الأسر والشركات على سداد الديون والتمويل، مما يزيد من احتمالات التعثر المالي ويُضعف القدرة على النمو والاستقرار.
بالانتقال إلى تأثير هذه السياسات على اقتصاديات دول الشرق الأوسط، فإن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة - لو حدث - قد يؤدي إلى تحولات ملحوظة في تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات. دول الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على تدفقات الاستثمار الأمريكية وأسعار الفائدة الدولية، وبيع النفط المقوم بالدولار ؛ قد تواجه تحديات جديدة في موازنة سياساتها النقدية، خاصة في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وتأثر أسواق النفط، ومن جهة أخرى، الاقتصاديات الناشئة في المنطقة، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدولار الأمريكي في التجارة والتمويل، قد تتعرض لهزات بسبب تقلبات الأسعار والفوائد، مما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار الاقتصادي.
هناك من يرى، أنه برغم الضغوط الواضحة من الرئيس ترمب لخفض أسعار الفائدة ، فإن احتمال أن يوافق مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض بهذا الحجم في الوقت الراهن يبقى ضعيفًا جدًا، فالاحتياطي الفيدرالي يولي أهمية كبيرة لاستقلاليته النقدية، ويأخذ في الاعتبار مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدلات التضخم، التوظيف، والنمو الاقتصادي. وفي الوقت الحالي، التضخم لا يزال مرتفعًا نسبياً ويتجاوز الهدف المحدد بنسبة 2%، والاقتصاد الأمريكي يظهر مؤشرات قوة نسبية مع سوق عمل متماسك؛ هذه المعطيات تجعل البنك المركزي مترددًا في خفض الفائدة بشكل كبير خوفًا من تأجيج التضخم. علاوة على ذلك، فإن تخفيض الفائدة بشكل حاد قد يُفسَّر على أنه استسلام للضغوط السياسية، مما قد يضر بمصداقية الاحتياطي الفيدرالي في الأسواق العالمية. وبناءً على ذلك، من المرجح أن تبقى رغبات الرئيس ترمب مجرد آراء شخصية لم تؤدِّ إلى تغييرات فورية في السياسة النقدية، حيث يتوقع أن يحافظ الاحتياطي الفيدرالي على موقفه الحذر ويتبع سياسات أكثر تدرجًا في تعديل أسعار الفائدة.
في الخلاصة، لا تزال السياسات النقدية الأمريكية تمثل عاملًا محوريًا في استقرار أو تقلب الأسواق العالمية، وعلى رأسها الاقتصاد الفلسطيني وهشاشته المعروفة. وفي ظل التوترات السياسية والمالية الحالية، يبقى التركيز على التوازن بين الضغوط السياسية والحاجة إلى سياسات نقدية رشيدة أمراً حاسماً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي.