في خطابه أمام الكونغرس الأميركي قال نتنياهو إن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة هي حرب بين الهمجية والحضارة.
ويقصد نتنياهو من وراء ذلك أن إسرائيل تمثل الحضارة وتدافع عنها.
منذ 7 أكتوبر لم يخلُ الخطاب السياسي والإعلامي والعسكري الإسرائيلي من الهجوم على «الهمجية أو البربرية الفلسطينية».
وقد انتزعت حكومة نتنياهو دعماً من كل الدول الكبرى «لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» دون إقران ذلك بالتزام القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقات ذات الصلة.
لم يمضِ طويل وقت حتى رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوى قضائية تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية، واستجابت محكمة العدل بإصدار حكم ابتدائي وتدابير طارئة بحق الدولة «المتحضرة» والذائدة عن الحضارة بأقصى ما تملك من قوة قتل وتدمير وترويع.
تضمنت التدابير الاحترازية: منع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع أي تصريحات أو تعليقات تحرض على ارتكاب إبادة جماعية، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، وتقديم التقارير للمحكمة بمدى تطبيق هذه التدابير.
انضم عدد من الدول إلى جنوب إفريقيا في متابعة القضية، واعتقد الشعب الفلسطيني أن النظام الدولي استيقظ من حالة اللا مبالاة إزاء حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل بالصوت والصورة على مرأى ومسمع العالم في قطاع غزة، وتوخى ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب والالتزام بالتدابير الاحترازية الصادرة عن المحكمة الجنائية على أقل تقدير.
رغم ذلك واصلت الحكومة الإسرائيلية حرب الإبادة وعوضاً عن الالتزام مارست على الأرض عكس تدابير محكمة العدل الاحترازية، وبلغت الاستباحة الإسرائيلية ذروة جديدة بإعلان نتنياهو عزمة على تهجير سكان قطاع غزة إلى بلدان أخرى ووضع آلية لذلك. كما لجأت إلى استخدام الغذاء والدواء كسلاح لإخضاع الناس جماعياً.
لم تعد أهداف حرب الإبادة خافية على أحد فقد جاء في بيان لمنظمة «أطباء بلا حدود»: نشهد في الوقت الراهن، تهيئة الظروف للقضاء على الفلسطينيين بعد أن أصبحت غزة جحيماً لا يحتمل.
وقال جوزيب بوريل النائب السابق لرئيس المفوضية الأوروبية: إسرائيل تقوم بتطهير غزة عرقياً، إننا نشهد أكبر عملية تطهير عرقي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واتهم إسرائيل باستخدامها الممنهج للتجويع ضد السكان المدنيين كسلاح حرب.
أما كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فقد أعلنت أن»أكثر من مليون طفل في غزة مُعرّضون لخطر المجاعة. وهم محرومون من الطعام والماء والدواء»، و»لا مكان آمناً للأطفال في غزة». وأضافت: قوبلت مذبحة الأطفال في غزة «بلا مبالاة إلى حد كبير»، يجب أن يتوقف هذا الرعب.
ويعترف أكثر من مسؤول إسرائيلي حالي وسابق بحرب الإبادة.
وزير «الدفاع «الأسبق يعلون يرى أن قتل الفلسطينيين يتم عبر «أيديولوجية فاشية دينية متعصبة ومسيانية، هذه الأيديولوجية التي تتبعها حكومة نتنياهو مدعومة بـ»أحكام حاخامية تقول إنه لا يوجد أبرياء في غزة».
أما وزير المالية سموتريتش فهو الأكثر وضوحاً في تبني الإبادة: «في طريقنا إلى تدمير حماس، فإننا ندمر كل ما تبقى من قطاع» غزة.
وتلخص افتتاحية صحيفة هآرتس المشهد المأساوي بالقول: ما تفعله إسرائيل في غزة جريمة حرب جماعية. الصور القادمة من غزة وصمة عار لا تُمحى.
إسرائيل نتنياهو تصعد حرب الإبادة وتدوس على القانون الدولي الإنساني وعلى الأوامر الاحترازية وبخاصة الأمر المتعلق بتسهيل وصول وتقديم المساعدات الإنسانية.
والعالم يغط في صمت مريب وكأنه يتعايش مع «الإبادة الجماعية» التي تحدث في غزة. ما يعنيه أن الكارثة التي تحل بالشعب الفلسطيني لا يسلم العالم منها عندما لا يستطيع تأمين الماء والخبز والحماية لشعب يتعرض للإبادة، ستفقد منظومات حقوق الإنسان والحق في الحياة وحرية البشر أي معنى لها وتستبدل بشريعة الغاب.
وسيدفع المجتمع الإسرائيلي ثمن قبوله إبادة مجتمع آخر، بدءا بتحول دولته إلى دولة منبوذة عالمياً، مروراً بانتقال دورة العنف الفاشية إلى داخله، وانتهاء بقطع الطريق على التعايش بين الديانات والمجتمعات وتحول إسرائيل إلى إسبرطة جديدة معزولة عن كل محيطها ولا تعرف شيئاً غير القتال.
شهدنا من قبل كيف ساهم الاحتلال والسيطرة على شعب آخر في تحول المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والتعصب والدولة الثيوقراطية، في حالة حرب الإبادة سيكون التحول أعمق وأخطر.
لا تزال أميركا ودول غربية ترسل صفقات السلاح وتغذي آلة الحرب، وما زالت اتفاقاتها التجارية المشروطة بحقوق الإنسان والقانون الدولي سارية المفعول رغم الانتهاك الإسرائيلي الفادح لها.
ومجلس الأمن معطل لا يستجيب لنداءات المنظمات الإنسانية والحقوقية التي تدق ناقوس الخطر ولا يفعل شيئاً غير تقديم الخطابات الكلامية.
أما محكمتا العدل والجنائية اللتان فاض أرشيفهما بالمعلومات الموثقة فإن تفاعلهما مع الحلقة الأخطر المسماة «عربات جدعون» في حرب الإبادة أقل بكثير من صراخ الناس الذين يتعرضون للإبادة، وقد تأتي قراراتهما اللاحقة بعد فوات الأوان.
لماذا لا تبادر بلدان مثل الصين وروسيا وفرنسا وإسبانيا وإيرلندا بالتعاون مع دول عربية ومع السلطة ومنظمة التحرير بمشروع قرار لوقف الحرب وانسحاب جيش الاحتلال إلى خارج قطاع غزة، وتبادل للأسرى والرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية والوقود، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة دون سلاح، وتشكيل حكومة طوارئ هي عبارة عن فريق من الكفاءات والمختصين تكون بديلاً لحكومة حماس، وتتولى إعادة الحياة للجهاز الصحي والتعليمي والرعاية الاجتماعية، تستند الحكومة الفلسطينية إلى قوة دولية - على غرار قوة اليونيفيل في لبنان -.
نحن بحاجة إلى قرار دولي ينزع الذرائع التي يستخدمها نتنياهو لمواصلة حرب الإبادة، وتحديداً إزالة التهديد الأمني، وإعادة الأسرى، وإنهاء حكم حماس.
ونحن بحاجة إلى إزالة المخاوف الصادرة عن حركة حماس ومؤيديها حول ارتكاب قوات الاحتلال للمجازر بعد إبرام الاتفاق، وحول إقدام حكومة نتنياهو على تنفيذ التهجير والطرد وبقاء قوات الاحتلال في قطاع غزة.
بالعكس، يمكن القول إن وجود تلك المخاوف أعلى بما لا يقاس في حال المضي في الخطة العسكرية الإسرائيلية إلى نهايتها التي تتضمن تدمير البقية الباقية من قطاع غزة والتهجير وإعادة الاحتلال والاستيطان، نعم من المرجح أن تلك المخاوف ستترجم على الأرض في حال عدم التوصل إلى اتفاق مدعوم بقرار من مجلس الأمن.
الإنقاذ من الإبادة يكون بالاتفاق، والانتحار والنهاية الفاجعة تكون بدخول الحلقة الأخطر في حرب الإبادة، ما يعزز خيار الإنقاذ هو الرغبة الدولية والرأي العام الدولي، وقبول أكثر من 62% من الإسرائيليين بإنهاء الحرب، وتفضيل إدارة ترامب للصفقة بعد حصوله على تريليونات الدولارات من الدول الخليجية، وبعد انهيار محور المقاومة والممانعة.