قناة الكوفية الفضائية

وهـي حـروب لاستكمال تغيير هوية دولة الاحتلال

26 مايو 2025 - 17:25
طلال عوكل

على خطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبذريعة حالة الطوارئ، واستمرار الحرب العدوانية، يعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تنفيذ «انقلابه الديمقراطي»، وفي اتجاه السيطرة على السلطات الثلاث، بما يؤدي إلى تغيير هوية دولة الكيان الإسرائيلي.

نتنياهو وائتلافه الحكومي يسيطران على الكنيست بـ68 مقعداً، أي أنه يتحكم في السلطة التشريعية، ويعمل بدأب على التحكم الكلي بالسلطة التنفيذية، الحكومة ومؤسسات الدولة العميقة.

بعد سلسلة الإقالات والاستقالات في المؤسسة العسكرية والأمنية، من بيني غانتس وغادي آيزنكوت، ويوآف غالانت، وهرتسي هاليفي، ومسؤول جهاز الاستخبارات العسكرية، وجنرالات آخرين، يتجرّأ نتنياهو على تحدّي «المحكمة العليا»، والمستشارة القضائية، ورغم معارضتها، ويعيّن رئيساً لـ»الشاباك»، ديفيد زيني، لكي تكتمل عملية تنظيف الأجهزة من «المعارضين».

من وزير الحرب إلى الطبقة الأولى من قيادة الجيش، والأجهزة الأمنية كلهم يتعامل معهم نتنياهو باعتبارهم إمّعات، وأدوات لتنفيذ قراراته وتعليماته.

وبصرف النظر عن عوامل ودوافع تعيين زيني رئيساً لـ»الشاباك»، فإن الأهم هو أن الأخير مُوالٍ تماماً لنتنياهو حين أطلق تصريحه الشهير بأن هذه الحرب أبدية ويجب أن تستمر بصرف النظر عن قضية الرهائن. هكذا يكون نتنياهو قد سيطر تماماً على مؤسّسات الجيش والأمن، والهدف القادم سيكون المستشارة القضائية للحكومة ولجنة اختيار القضاة و»العليا».

لدى نتنياهو الوقت لاستكمال انقلابه الديمقراطي وسيطرته على مفاصل الدولة، قبل أن يأتي موعد الانتخابات المقبلة في العام القادم، الأمر الذي يرفع علامة استفهام كبيرة حول إمكانية إجراء الانتخابات.

«المعارضة» الإسرائيلية لا تزال عاجزة ومشرذمة رغم خطابها الموحّد ضد الحكومة، لكنها ليست ضد الحرب، ولم تحشد طاقاتها إلى جانب الاحتجاجات المتصاعدة لأهالي الرهائن، رغم أن بعضهم يرى أن الحرب الأخطر هي التي تخوضها حكومتهم ضد دولتهم.

«الهستدروت»، هو الغائب الأكبر عن الميدان، فلا تصريحات ولا بيانات، ولا فعل يمكن في حال اتخاذ قرار أن يشكل تهديداً حقيقياً لـ»الائتلاف الحكومي».

ونتنياهو لا يقيم أي اعتبار للضغوط الداخلية رغم أن بعضها قد دخل إلى الليكود، وعلى الرغم، أيضاً، من قناعة الأغلبية السياسية والمجتمعية التي تتهم الحكومة بالفشل، وتفضح الأبعاد الشخصية والسياسية لحرب نتنياهو.

خلاصة الأمر، أن نتنياهو لا يزال قادراً على استيعاب «المعارضة» الداخلية، وقادراً، أيضاً، على استيعاب الضغوط الخارجية، التي لم تصل بعد إلى التأثير في مساره السياسي.

العرب نائمون، وكذلك المسلمون، والإدارة الأميركية لا تزال لم تصل، وقد لا تجد نفسها مضطرّة لممارسة ضغوط فعّالة على نتنياهو باتجاه وقف الحرب الهمجية، طالما أن استمرارها لا يهدد بعد المصالح الأميركية المرتبطة أساساً بالمال العربي الذي يتدفّق لملء الخزانة.

«انتفض» الأوروبيون فجأة، وبدا وكأن أوروبا في طريقها لتفعيل أدواتها لإرغام دولة الاحتلال على وقف حربها الإجرامية، ثم هدأت «انتفاضتهم»، فيما يشير إلى أنّ «الانتفاضة»، وهدوءها، منضبطان على الساعة الأميركية.

الساعة الأميركية تعمل بموازاة التصعيد الإسرائيلي بالقصف والتوسُّع والغزو، واستمرار حرب البطش والتجويع؛ لكسر إرادة المفاوض الفلسطيني الذي يخوض مفاوضات مباشرة مع ممثلي الإدارة الأميركية بالنيابة عن الدولة العبرية الغائبة عن التفاوض.

ثمّة ما يشير إلى تبادل وتكامل أدوار بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، رغم توفّر أسباب كثيرة للشك في أن الأخير مستعد لوقف حروبه الدموية في المنطقة حتى لو نجحت الإدارة الأميركية في وقفها على غزة سواء باتفاق مؤقّت أو «نهائي».

الإدارة الأميركية خدعت حركة «حماس»؛ إذ لم تلتزم بما وعدت به مقابل الإفراج عن الأسير الأميركي عيدان، حيث كان من المفروض أن تعمل على فتح المعابر؛ للسماح بتدفّق المساعدات لأهالي القطاع الذين يدهمهم القتل من كل جانب، وبكلّ الوسائل.

لا نأتي بجديد إذ ندّعي أن الإدارة الأميركية ليست محلّ ثقة إزاء أيّ وعود أو اتفاقيات، حين تتعارض مع مصالحها أو مصالح دولة الاحتلال تحت ضغط خارجي، خصوصاً من الأوروبيين، ولتنفيس حالة الاحتقان التي تتعلّق بحرب التجويع والإبادة، يعلن نتنياهو عن عزم كيانه على فتح المعابر لإدخال المساعدات لأهالي القطاع، لكنه تلاعب بالتوقيت والآليات، وكم ونوع المساعدات.

بعد تأخّر في التنفيذ، تمّ إدخال عدد محدود من الشاحنات، وبعده تأخير آخر، في عملية توزيع المساعدات، بحجّة الحاجة لاستكمال تجهيز آلية التوزيع التي ينبغي أن تتولّاها شركة أمنية أميركية؛ لضمان عدم وصولها لـ»حماس».

الشركة الأمنية الأميركية ستوفّر قاعدة بيانات ذات أبعاد أمنية مهنية توفّرها لها أجهزة القتل الإسرائيلية، غير أن الهدف لا يتوقف على منع من ينتسب أو يتعاطف مع المقاومة من الحصول على الطعام.

يبدو أن الهدف الأساسي هو وضع الناس في القطاع أمام خيار واحد، وهو أن من يرد الحصول على رغيف خبز عليه أن يتوجّه إلى الجنوب، وإلّا فليمت من الجوع إن استمرّ في البقاء في غزّة وشمالها.

يعني ذلك أن من لا يغادر بسبب القصف العدواني، وفقد رغيف الخبز، سيكون مستهدفاً باعتباره منتسباً أو مناصراً للمقاومة، تواصلاً مع هدف تهجير السكان من غزّة وشمالها، لدعم الادعاء حول «الهجرة الطوعية».

يعني ذلك أنّ الإدارة الأميركية تتساوق مع مخطّطات نتنياهو لبعض الوقت؛ عسى أن يؤدي ذلك إلى كسر إرادة المقاومة وقبولها بشروط أميركية وإسرائيلية الأصل.

الخطّة ستبدو يائسة وبائسة وفاشلة؛ إذ ترفض المؤسسات الدولية الانصياع لهذه الآلية، لكن رفضها سيعطي نتنياهو ذريعة لمواصلة التلاعب بالوقت.

قد يغيب عن مديري الخطّة أن تفعيل هذه الآلية سيدفع المقاومين الفلسطينيين، المتواجدين على الأرض، لتفعيل آلية العمليات، أمّا إن فشلت الخطّة، فإن دولة الاحتلال قد تجد نفسها أمام «انتفاضات» داخلية وخارجية.

Link: https://mail.alkofiya.com/post/272002