قناة الكوفية الفضائية

الكلّ في انتظار ترامب

12 مايو 2025 - 11:42
طلال عوكل

يمكن للمراقبين والمحلّلين أن يمضوا في تحليلاتهم وتوقّعاتهم وتقييماتهم للآثار التي ترتّبت عن مجريات حرب الإبادة، والحروب العنصرية التي يتعرّض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزّة خصوصاً، يمكن لهؤلاء أن يتحدّثوا عن الزلزال التي أحدثته غزّة على المستوى العالمي، وما نجم عن ذلك الزلزال المستمرّ من إنجازات تاريخية عظيمة، كما يمكن لآخرين أن يتحدّثوا عن نكبة ربما أكثر إيلاماً من نكبة العام 1948، وأن يكثروا في تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن ذلك.
لقد هزمت السردية الفلسطينية السردية الإسرائيلية، وأطاحت بها على نطاق واسع، ولكن ثمّة ما يستدعي من الكلّ العمل بما يتجاوز الإدانة والاستنكار من أجل وقف هذه الحرب العدوانية المجنونة، وإدخال المساعدات بكل أشكالها وأنواعها لأهالي القطاع، وعلى نحو عاجل.
وفيما يحذّر الكثير من المسؤولين الأمميّين والنشطاء والسياسيين، من الاقتراب أكثر من مرحلة المجاعة، فإن الوقائع على الأرض تتحدّث بوضوح شديد عن أن الناس دخلوا مرحلة المسغبة منذ أسابيع، بلغني أن الناس بدأت في خلط المعكرونة مع البرغل وقليل من الدقيق لصناعة الخبز، وحين اختفى البرغل أخذوا يستبدلونه بالعدس الأصفر (المجروش)، مع أنّ أسعار هذه المواد غالية جداً، ولم تعد في متناول أيدي مئات الآلاف فضلاً عن أنها أصبحت شحيحة.
بكى صديقي العزيز، صاحب الدمعة المتحجّرة، حين سألته عن كيفية تدبُّر أمور الطعام، وبكت زوجته ابنة مخيم تل الزعتر – لبنان، التي عاشت مذبحة ذلك المخيم في (12-8-1976)، إبّان الحرب الأهلية اللبنانية.
من مفارقات الزمان، أن يتّفق مئات آلاف الإسرائيليين ممّن يتظاهرون، كل يوم، مع الفلسطينيين في القطاع، فالطرفان يطالبان بوقف الحرب كل لأسبابه، وينتظران الحلّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ربما من الطبيعي أن يطالب إسرائيليون ترامب بالتدخّل ويراهنون عليه لوقف جنون حكومتهم العنصرية المتطرفة، ولكن من غير الطبيعي، وإن كان منطقياً، أن يراهن الفلسطينيون على ترامب لوقف مجزرة الإبادة، والتدمير، والتجويع، وسياسة التعطيش التي تنتهجها دولة الاحتلال في القطاع.
لقد أبدى الفلسطينيون خشيتهم من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فهو من اتخذ قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس، التي أعلن اعترافه بسيادة دولة الاحتلال عليها.
في نظر الفلسطينيين، فإن شخصية وسياسة ترامب تتماهى مع شخصية وسياسة نتنياهو، وكلاهما يتّسم بالتطرف الشديد تجاه القضية الفلسطينية وشعبها.
هذا التلاقي بين جمهور واسع من الإسرائيليين، وآخر واسع من الفلسطينيين ليس في غزّة وحسب، ينطوي على فقد الأمل بالمؤسسات الدولية، وبالمنظومة العربية والإسلامية التي عقدت قمتين خلال حرب الإبادة، دون أن تخرج قراراتها من القاعات التي جمعتهم.
إذا كان العرب والمسلمون لا يعترفون بتقصيرهم وعجزهم وتواطؤهم، ويغطّون ذلك بفيضٍ من التصريحات والبيانات، والمتحدثين الرسميين، وأكاذيب الإعلاميين، فإن جوزيب بوريل، المسؤول السابق عن السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، قد تجرّأ على قول الحقيقة أو جزء منها، نصف القنابل التي تسقط على رؤوس الغزّيين هي أوروبية، وأن أوروبا مقصّرة ولم تبذل جهداً لوقف حرب الإبادة الجماعية، كما صرّح بذلك بوريل.
أوروبا تشهد المزيد من المطالبات التي تتقدّم بها دول أعضاء في الاتحاد لمراجعة اتفاقيات الشراكة التجارية مع دولة الاحتلال، التي تنتهك شروط الاتفاقية، وبعضها مثل فرنسا، ومن خارج الاتحاد بريطانيا، لا تزال متردّدة في الاعتراف بدولة فلسطين.
يبدو أن مفتاح السرّ موجود لدى واشنطن، فإن فعلت لحقت بها الكثير من الدول الأوروبية، ودول العالم.
ترامب الذي يعتمد سياسة قفزات الكنغر، لا يزال يلقي بمفاجآته التي يرهق المحلّلين والمتابعين في معرفة أو التقرّب من معرفة كنهها.
لعلّ إعلانه قبل أيام عن تصريح مهمّ جداً إزاء قضية مهمة جداً، قبل وصوله إلى الخليج الذي اعتمد انتماءه العربي، واحداً من الإعلانات التي أشعلت التكهّنات.
البعض ذهب إلى الاعتقاد بأن الأمر يتعلّق كأولوية من بين احتمالات، بأنه سيعلن الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، خصوصاً أن المرحلة الرابعة من المفاوضات تجري قبل يوم أو اثنين من وصوله إلى محطته الأولى في الخليج العربي.
على كلّ حال، لم ينجح أي محلّل سياسي في أن يحصر الاحتمالات بواحد أو اثنين، وبعضهم يتحدث عن ثلاثة احتمالات ويمضي حتى الخمسة من دون أن يعي ذلك.
هل سيعلن عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية السورية واللبنانية، أم أن الأمر يتعلق باحتمال التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزّة يرمي به في وجه نتنياهو وحكومته المتطرفة.
على أن هناك من توقّع أن يعلن عن اعترافه بدولة فلسطينية، خصوصاً بعد الفجوات التي تتّسع بين ترامب ونتنياهو والتي تشير إلى افتراق مهمّ في المصالح.
كل شيء متوقّع من ترامب، والإسرائيليون يعبّرون عن مخاوف حقيقية، إزاء إمكانية تحوّل السياسة الأميركية عن مواصلة ربط مصالحها بمصالح دولة الاحتلال ودورها الذي يتراجع في المنطقة.
وفق الإعلانات المتكرّرة من الإدارة الأميركية، فإن الأميركيين قد قرروا إعادة تنشيط سياستهم ومصالحهم في المنطقة من بوابة من يملكون المال، وأنهم جادّون جدّاً في التوصّل إلى اتفاق مع إيران يضمن ألا يكون برنامجها النووي عسكرياً.
وفي انتظار ما ستسفر عنه زيارة ترامب، الذي تجاهل على غير العادة الدولة العبرية، فإن ما سينجم عنها، سيرسم ملامح المستقبل القريب للمنطقة، وقضاياها المهمة، وأيضاً يرسم ملامح قدرة العرب على استثمار إمكانياتهم وثرواتهم، التي تستحوذ على جزء كبير من اهتمامات الإدارة الأميركية.

Link: https://mail.alkofiya.com/post/269715