خطاب لنتنياهو، تمّ الإعلان عنه قبل 24 ساعة، فاجأ جمهوره الإسرائيلي أكثر ممّا فاجأ الفلسطينيين. توقّع 70% من الإسرائيليين، الذين يؤيدون وقف الحرب الإبادية إن كان ثمناً لتحرير الرهائن حسب الاستطلاعات. توقّع هؤلاء أن يسمعوا من رئيس حكومتهم ما يبدّد المخاوف، إزاء فشل محاولات التوصّل إلى صفقة تؤدّي إلى تحرير الرهائن.
خطابه لم يأتِ بجديد، وقد جاء مخيّباً لآمال الإسرائيليين والفلسطينيين، الذي ينتظرون الفرج. بدلاً من الاستجابة لرغبات المجتمع الإسرائيلي، وعشرات آلاف الموقّعين على العرائض المطالبة بوقف الحرب الإجرامية، ذهب نتنياهو إلى التهديد بتصعيد العدوان والتأكيد على استمراره، لتحقيق ما يقول: إنها كل أهداف الحرب. ضمنياً يقول الأخير في خطابه: إنه لا يعطي الأولوية أو الاهتمام للرهائن، ويدّعي أنه سيكون قادراً على تحريرهم من خلال تصعيد البطش وحرب التجويع.
من المؤكد أن تداعيات خطابه ستظهر خلال الأيام القليلة القادمة، في اتجاه انضمام مئات وربّما آلاف الموقّعين على العرائض، بالإضافة إلى تصعيد الاحتجاجات الجماهيرية.
في الواقع، فإن استهتار نتنياهو برأي غالبية الجمهور بسبب استطلاعات الرأي المتكررة، وبالتصدُّعات التي يشهدها جيش الاحتلال والمؤسسة الأمنية، والكثير من المؤسسات المدنية، إنّما يعكس من ناحية ضعف وتشرذم «المعارضة»، ومن ناحية أخرى إصرار على أولوية المحافظة على تماسك «الائتلاف الفاشي الحكومي»، وخدمة أغراضه الشخصية.
في حقيقة الأمر، لم يعد أحد في دولة الاحتلال وفي خارجها يشكّ في الدوافع والأهداف الشخصية والسياسية لنتنياهو، ولم تعد تنطوي على أحد الأكاذيب والذرائع التي تُساق لتبرير استمرار العدوان.
هذه الحقيقة أخذت تعكس نفسها في طبيعة المطالبات التي يرفعها ذوو الرهائن، الذين تحوّلوا عن مطالبة الحكومة ورئيسها إلى مطالبة دونالد ترامب.
تنطوي هذه المطالبة على حقيقة واضحة، هي أن نتنياهو فقد القدرة على اتخاذ القرار المستقل، وأنّ الأمر كلّه بيد الإدارة الأميركية. ترامب ليس جو بايدن، فهو إن اتخذ قراراً، فإنّه لا ينتظر من نتنياهو إلّا الموافقة، وإلّا.
الإدارة الأميركية، تواصل المفاوضات، من دون انتظار مشاركة دولة الاحتلال، التي عيّنت الوزير رون دريمر للتلاعب وتعطيل إمكانية التوصل إلى اتفاق.
من الواضح أن المهلة التي منحها ترامب لنتنياهو قاربت على الانتهاء، إذ عليه أن ينهيها قبل وصول الرئيس الأميركي إلى المنطقة.
لذلك من المفهوم أن يرفع نتنياهو السقف والتصعيد إلى أبعد مدى عسى أن ترضخ المقاومة الفلسطينية، وتتنازل عن شروطها، أو أن يؤدي ذلك إلى تسهيل عمل المبعوث الأميركي للتخفيف منها قدر ما يستطيع. هذا يعني أنّ الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً كبيراً على صعيد جبهة القتال والحصار والتجويع.
حركة «حماس» عملياً أسقطت في يد نتنياهو، وذخرت المطالبين بوقف الحرب الدموية من الإسرائيليين، بدوافع أخرى لتصعيد ضغوطهم، وذلك حين أبدت الاستعداد للذهاب إلى صفقة شاملة، تؤدي إلى الإفراج عن الرهائن الأحياء والأموات دفعة واحدة.
وكانت «حماس» قبل ذلك، قد أكدت غير مرّة استجابتها للتخلّي عن إدارة القطاع لصالح إرادة وإدارة فلسطينية سواء كانت السلطة الوطنية الفلسطينية، أو «مجموعة الإسناد».
منذ أكثر من 6 أسابيع على استئناف جيش الاحتلال القتال في غزّة، وإغلاق المعابر، ووقف تدفُّق المساعدات، امتنعت المقاومة عن الردّ إلّا من بعض الصواريخ التي كانت تحمل رسائل فقط لتأكيد أنّها موجودة، وأنّ ادّعاءه بالسيطرة على بعض المناطق لا أساس له من الصحّة.
ليس الإسرائيليون فقط هم من فقدوا الثقة برئيس حكومتهم لصالح ترامب بشأن صفقة التهدئة وإنّما الفلسطينيون، أيضاً. إن استمرّ نتنياهو في ركوب رأسه، فإنّه يجازف في هذه الحالة بالتصادم مع الإدارة الأميركية التي ربّما بدأت تشعر بأنّه يشكّل عبئاً عليها.
ترامب يريد أن تنجح زيارته إلى المنطقة، لابتزاز المزيد من الأموال التي يحتاجها، وتلقّى وعوداً بشأنها، ويريد أن يحقّق إنجازاً فيما يتعلّق بملف «التطبيع»، فإن كان نتنياهو سيشكّل عقبة في سبيل ذلك، فإن الإدارة ستتجاوزه.
هنا ثمّة دور للدول العربية التي سيزورها ترامب التي عليها أن تتمسّك بمواقفها، وألا تعطي الأميركيين، ما لم يدفع نتنياهو وحكومته الفاشية.
الإيرانيون أبدوا «حنكة» في التعامل مع التوتّرات في المنطقة وبدؤوا بمفاوضات غير مباشرة لمعالجة الملف النووي، من دون الاستعداد للتخلّي عنه كلياً.
الطرفان الأميركي والإيراني مرتاحان حتى الآن لنتائج المفاوضات التي جرت في عُمان والعاصمة الإيطالية روما، وهو أمر يدخل الشكوك والمخاوف لدى نتنياهو الذي أراد تصفية المشروع النووي بإشراف أميركي على الطريقة الليبية.
لن يتمّ ذلك، وفي هذه الحال فإن تهديدات نتنياهو بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، من دون مشاركة أو ضوء أخضر أميركي ليس متوفّراً، ستشكّل صفعة قوية لحكومة الاحتلال الفاشية ورئيسها، وسيضيف فشلاً إلى فشله في تحقيق أهدافه من الحرب الكارثية والاجتثاثية.