توقفت عقارب ساعة الحائط من شدة وهل القضية حينما توقف قلبه عن النبض بين ذراعيها اطلقت صرخة مدوية جعلتني أقفز من سريري مفزوعةً، ركضتُ حافية القدمين عارية الرأس واسأل منهارة ما الذي حصل؟ قال عطا وهو يمسح النوم من عينيه بكسل لا اعرف ركضنا من السطح بسرعة وكنت مراعية من قِدّم السلالم التي تقف مرتعشة منذ زمن طويل، مسكت السلم بيدي النائمين وتدحرجتُ الى الاسفل لارى ما سبب صُراخُ امي! سرت على بطئ لان الصراخ اصبح عويلاً صامتاً، وعلى رؤس اصابعي مشيت، دلفتُ الى باحة البيت لاجد امي مفترسةً الغرفةَ القديمةَ وقد احتضنت شيئاً ملفوفاً بعباءتها القديمه وقد تدلى رأسها كنت احسبها نائمه لولا النحيب العميق الصادر منها تقربت منها وانا عارفة بأن بين ذراعيها والدي ولكن ما الذي حصل لا اعلم، تقربت منها بكل حذر وسألتها اين ابي؟ هزت رأسها بكل هدوء واشارت بإصبعها على إنه داخل عبائتها.
وقد صرخت بأعلى صوتها عندما رأتني مولولةً كم حذرته من التدخين لكنه كان يردد بانه يعشق السيجاره اكثر من أي امرأةٍ مرت بحياته، ويستمر بالاستهزاء على قلقي قائلاً بأن والده توفيَّ عن عمرٍ يناهز الثانية والتسعين وهو يدخن، لم استطع احتضانها لانها احتضنت جثة والدي بعبائتها فلا مجال لاحتضانها، وقفنا انا واخي كصنميم لا نصدق ما حصل لكننا نتوقع هذا سيحصل لاصراره على التدخين رغم نوبات السعال الشديدة التي تلازمه وخاصة بعد منتصف الليل ونبقى صامتين في اسرتنا حتى تهدئ نوبة السعال وينام حينها نتسابق لاقتناص غفوةً ننعم بها قبل ان يدخل في نوبة سعال حينها نفقد الامل بالنوم ساعةً لنُهرول صباحاً كالسكارى كي نلحق جرس الصباح وننظم الى طابور الصباح ، كم توسلنا به أن يترك التدخين وكنت اكرر دوماً على مسامعه لماذ يدفع الانسان تعبه لشراء مادة الانتحار، إنه يفقد حياته رويداً وريدا لتتضخم ارباح شركات التدخين، إنهم فئات ضالة تعيش على موت البشرية.
والدي رجل عنود ويفتخر بعناده لانه يعتبر العناد هي الرجولة الحقه، لم اقصد بأنه مقصر بحقنا كأولاده لكنه مقصر مع نفسه ومع والدتي التي ضحت بكل مفصل من مفاصل حياتها على إقناعه بترك التدخين وحاولت معه بعض الطرق لمساعدته لكنه كان يتملص ويراوغ ويتحايل عليها وبعض الاوقات يستعمل العنف معها بحجة إنها تريد حرمانه من المتعه الوحيده لديه في الحياة، يصرخ عندما يفقد الحجةَ في الرد عليها بأنه ترك الشرب والقمار وكل متع الرجال وبقي لديه التدخين فلماذا تستمرين بمضايقته!! وتعيد وتكرر بانه مضر على صحته والتدخين وسط العائله غير مريح للجميع ويضر بصحتهم ويعاود الهروب كعادته إما الى البلكون أو غرفة نومه، ويرفع كفه اعلاناً بأنتهاء النقاش.
بقينا على هذا الحال منذ ان وعينا على الحياة حالما يستيقض السيجاره في فمه وعندما يجلس على مائدة الافطار السيجاره في يده، الجو حار يدخن بنهم والجو بارد يزداد نهمه للتدخين حيث يصل الى اربعُ علبٍ في النهار الواحد وعندما اقول له أنا ابنته الكبيره بخطر التدخين في الشتاء وخاصه عندما يعاني من النزلة الصدريه يضحك ويقول لي إنها تدفئ صدره، بقيت السنين كلها احاول فهم فلسفته في التدخين لكنني عجزت حتى عندما تم نقله للمستشفى لاختناقات بسعال حاد قال للطبيب المعالج بأن التدخين في برد الشتاء يدفئ صدره، ضحك الدكتور لكنه تعصب وقال له إنك تستهزء بي وأنت بعمر اولادي فقرر ترك المستشفى بعد رفع يده مثلما يرفع هتلر يده والتي تعني انتهى النقاش.
والدي ووالدتي ينامان في غرفة وبسريري منفصلين بحجة انه يريد ان يقرء قبل ان ينام وانها تكره القراءه ليلاً والضوء وعليه انفصلت الاسرة وفي ليلة بارده شممنا رائحه حريق وصراخ والدتي كصفارةِ الانذار هرعنا لغرفتها واذا بفراش والدي قد احترق نصفه وطاله الحرق لكنه لم يُصاب بأذى. نام عندما كان يدخن في سريره فسقطت السيجاره من يده على حافة فراشه فاشتعلت الحافة وامتد الحريق تقريبا ليأكل نصف الفراش ولولا ان والدي ضعيف البنية لتلتهمه الحريق، صحا الجميع على الصوت والرائحه فلم يعتذر لا كانت هناك تبريرات حاضرة لديه وختمها لم يحصل شئ علاما هذه الفوضى والمبالغة في المشاعر.
جدال نعرفه عقيم معه وفي مرة قلت له لو ادخرت الاموال التي انفقتها وتنفقها على علب السجاير لاصبح لدينا بيتاً نحتمي به وقت الشدة. نظر اليَّ باستخفاف وقال متهكماً عندما اصبح محتاجاً لكم وأسأل واحداً منكم ان يشتري لي علبة سجاير وقتها لا تعطوني مالاً، شعرت بألمٍ حادٍ في صدري من جوابه الجارح لكنني قلت له ثق بالله واعذرني على جوابي هذا لن اشتري لك علبة الموت هذهِ لانني اشارك في عمليه موتك، فصرخ وقال ابتعدي عن وجهي الان، بقيت حائرة ماذا اقول لهذا المدمن علماً بأنه والدي واحبه واخاف من فقدانه لكن ما كنا نخاف منه حصل. بعد ان تخرجت من الجامعه والتحقت واخي بوظائف واستمرت حياتنا مع التدخين وكنت اتضايق من اصراره على التدخين في داخل البيت وينتشر الدخان الى اركان الدار وعليه نبقى مضطرين الى تغطية ملابسنا خوفاً من رائحة الدخان المسببه للاحراج،
بقي صراعنا بالحب والدلع والشدة الخفيفة والنقاشات الحاد خوفا على صحته فلم يأبه من عشق السيجارة التي اخذته منا.
"إيلاف"