- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
«لا يمكن أن نقف بأقدام كسيحة»، هذا لا يحتاج إلى الكثير لمعرفته فهو من أبجديات السياسة ونحن نتهرب من الاعتراف بحجم الكساح الذي أصابنا فمن يرى الواقع الفلسطيني لا بد أن يصاب بصدمة الراهن، وربما يدرك حجم التراجع الذي يصيب القضية الفلسطينية، صحيح أن هناك ظروفا إقليمية غاية في القسوة ولكن يجب أن نعترف بأننا لم نفعل بما فيه الكفاية لمشروعنا الوطني أو فعلنا في السنوات الأخيرة ما هو معاكس لهذا المشروع.
مراجعة الذات هي الغائب الوحيد في السياسة العربية، فهي مهمة تكاد تكون مستحيلة لدول لم تراكم سوى الخراب ونحن ابن شرعي لهذا العقل العربي، الذي يندفع نحو الفشل بلا حدود ولا بلا توقف ويصل للهاوية محملا غيره مسؤولية ذلك دون أن يقف أمام نفسه ولو لمرة واحدة ليقول يجب تصحيح المسار أو تغيير الطريق.
من يلاحظ التعاون الأخير بين حركتي فتح وحماس من أنشطة في مواجهة حالة التطبيع العربي لا بد أن يصاب بدهشة هذا الوضع الذي ينقسم فيه الجسد الفلسطيني حتى النخاع متسائلا: هل يمكن أن تقوم قيامة الفلسطينيين في ظل استمرار هذا التباعد؟ وكيف يمكن أن يواجه الفلسطينيون كل تلك الرياح العاتية التي يحاول فيها الإسرائيلي تذويب قضيتهم وإنزالها عن الجدول وهم متصارعون إلى هذا الحد؟ وكيف يمكن أن ينقذ الفلسطيني قضيته في ظل فشله في تشكيل حكومة إنقاذ لهذا الوضع المتردي على كافة الصعد ليس فقط سياسيا بل اجتماعيا واقتصاديا وانسانيا ووطنيا؟.
لم يعد للفلسطينيين في السنوات الأخيرة سوى التعبير عما يحدث لهم ولقضيتهم التي يتجرأ عليها الآخرون وهم يصابون بالصدمة تلو الأخرى وكأنهم بريئون مما يحدث، فالوضع الداخلي أضعف المناعة الوطنية إلى حدها الأدنى وجعل الجسد الفلسطيني أضعف من أن يقاوم أي شيء وتلك حقيقة علينا الاعتراف بها دون أن نستمر في رحلة الخداع، آن الأوان لأن نعترف بأننا إذا لم نصلح هذا الخراب سنسير بخط ثابت نحو النهاية وأن نلوم أنفسنا بشدة.
ما الذي يمنع أن يعيد الفلسطيني بناء مؤسسته الموحدة ؟ سؤال بات يؤرق المشتغلين بالسياسة بتشاؤم لا ينسحب على ماضي السنوات التي عبث الفلسطيني بقضيته ولا بالراهن البائس، بل تشاؤم المستقبل لمن يرى الخط البياني الهابط بوضوح ويخشى من استمراره ومساره والنقطة التي يمكن أن ينتهي عندها.
الواقع الفلسطيني شديد الهشاشة، وإسرائيل تستغل وضعا أطيح فيه بالإقليم الذي انهزم في ربيعه الذي بدأه منذ عشر سنوات وانتصرت فيه إسرائيل فبتنا أمام وضع كأن إسرائيل تريد أن تفرض شروط المنتصر ويتصرف فيه العرب كمهزومين، ويدفع الفلسطيني ثمنا للنصر واثمانا لهزيمة لم يكن هو سببا فيها، ولكنه هزم نفسه من الداخل بما فعله بنفسه حين صارع نفسه على السلطة وانتهى بتقسيم ما أعطي له من جغرافيا يدرب فيها نفسه على الحكم وإذ به يحولها إلى معركة السلطة والحكم ويفقد فيه كل شيء، ليس فقط المؤسسات بل أيضا مفاهيمه وجزء كبير من إرادته الوطنية التي كانت وقوده في رحلة البحث عن الوطن.
لقد توقفت مؤسسة التشريع والرقابة على أداء العمل التنفيذي الذي يتحرك دون مرجعية، وانهار لدينا القضاء الذي يفصل بين خلافاتنا ولم نعد نعرف كيف يمكن أن ينتهي هذا الانقسام، من يذكر المؤتمر الصحافي الذي عقده السيدان الرجوب والعاروري الذي رفع سقف الأمل لدى الناس وقيل إنه سيتبعه مهرجان جماهيري كبير في غزة ؟ كان ذلك قبل عيد الأضحى السابق، لقد تراجعت الفكرة وكأنها لم تعد قائمة ولم يعد أحد يسأل ولم يعد أي مسؤول في الجانبين يبرر للناس لماذا خفتت.
ما الذي يحدث الآن بينهم وما هذا التعاون الذي لن ينتهي إلى إنهاء انقسامهم «كأنهم يقولون «إننا نتعاون بكل شيء شريطة عدم اقتراب أي منا من سلطة الآخر»، وتلك لا تحتاج إلى كثير من التحليل لرؤيتها، رغم أن السلطات القائمة آخذة في التآكل ليس فقط بفعل التخطيط والتربص الإسرائيلي بل أيضا بفعل الأداء الذي لم يعد يرضي الكثير من الناس وانحسار القدرة على تقديم خدمات وتراجع إمكانية القيام بالمسؤولية في ظل نضوب الإمكانيات.
لا يمكن أن نستمر هكذا فتلك قمة العبث ولا يمكن أن نطلب من الآخرين تقديرنا في ظل عدم احترامنا للآخر في الوطن، وهو ما أفقدنا قوتنا الناعمة وحضورنا وهيبتنا التي كانت تشكل أكبر رادع للآخرين من الاقتراب من إسرائيل، صحيح أن الزمن تغير ولكن ذلك لا ينفي أننا لم نعد بتلك الصورة التي كنا عليها، لا يمكن أن ننفي أن القضية تراجعت ولكن لا يمكن أن ننفي دورنا في هذا التراجع.
هل فات الأوان على هذا الحديث ؟ لا أعرف، ولكن كل شيء قابل للإصلاح شريطة أن نقر ونعترف أولا أننا عبثنا كثيرا بما لدينا وأطحنا كثيرا بأنفسنا.
الأيام