- جيش الاحتلال: رصد إطلاق عدة صواريخ من لبنان نحو تل أبيب
كتب – علي أبو عرمانة: "بعد أن نكون مُتأكدين من أنّ الأهداف الثلاثة يتواجدون في بيوتهم، يجب أن ندخل إلى المدينة مع قوّة صغيرة ليس أكثر من 15 مُقاتلاً، والوصول إلى الشقق واقتحامها، وقتلهم ثم الانسحاب، وكل هذا خلال بضع دقائق، وسيكون بمقدورنا أن ندخل ونخرج قبل وصول قوّات أخرى، وحين يُدركون ما حدث سنكون خارج البلاد، والأمر الأهم هو الحفاظ على عامل المُفاجأة".. كانت تلك هي الخطة المحكمة التي وضعها إيهود باراك لاغتيال المُتحدث باسم حركة "فتح آنذاك، كمال ناصر، وقائد العمليّات في "فتح" أبو يوسف النجار، والمسؤول عن تفعيل خلايا في فلسطين، كمال عدوان.
ففي العاشر من إبريل/نيسان عام 1973، اغتال جهاز الموساد القادة الثلاثة في بيروت، لنشاطهم البارز في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، والمقاومة الفلسطينية، وبدعوى مشاركتهم في التخطيط لعملية ميونخ في سبتمبر/أيلول 1972.
التخطيط للعملية
جرى تكليف وحدة "قيسارية"، وهي شعبة العمليات في الموساد، بالاستعداد لتنفيذ عمليات اغتيال فلسطينيين في عواصم أوروبية.
واقترح رئيس هذه الوحدة، مايك هراري، تشكيل وحدة خاصة لتنفيذ هذه المهمات، وأطلق عليها وحدة "كيدون" (الرمح)، وذلك في منتصف العام 1969، وبسبب معارضة مئير لم تنفذ عمليات كهذه، لكن هراري أصدر تعليمات لـ"كيدون" بمواصلة التدرب، ولكن في أعقاب عملية ميونيخ، وبعد إعطاء مئير ضوءا أخضر لعملية اغتيال واسعة، تبين أن وحدة "كيدون" غير قادرة على تنفيذ عملية كهذه في بيروت، وأن قسما من أفرادها لم يتدرب أبدا على إطلاق النار أو لم يخدم في الجيش.
وإثر ذلك جرى تكليف "سرية هيئة الأركان العامة"، بقيادة باراك، بتنفيذ عملية "ربيع الشباب"، أو عملية "فردان"، لكن في تلك الأثناء لم تكن لدى الإسرائيليين معلومات كاملة حول أماكن تواجد القياديين الفلسطينيين.
أطلب لقاء عاجلا
في تشرين الأول/ أكتوبر العام 1972، وصلت رسالة مشفرة من أحد أهم عملاء إسرائيل في الشرق الأوسط، إلى قاعدة عسكرية سرية تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، جاء فيها أنه "أطلب لقاء عاجلا".
بدا من رسالته المقتضبة أنه توجد معلومات هامة بحوزة هذا العميل، وتبين أنه زوّد مشغليه الإسرائيليين بعنوان بيوت أربعة قياديين في فتح، أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، الذين كانوا يسكنون بجوار بعضهم، إضافة إلى خليل الوزير (أبو جهاد) نائب رئيس حركة فتح، ياسر عرفات.
وقال العميل إن القيادي الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) كان يزور بيوت الثلاثة الأوائل، كذلك زودهم العميل بكمية كبيرة من المعلومات حول مواقع أخرى تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبينها ورش لصنع أسلحة ومواقع قيادية ومكاتب.
الجاسوسة نيلسن
بعد ذلك قرر قادة وحدة "قيسارية" إرسال جاسوسة، تدعى ياعيل، إلى بيروت، وكان اسم الكود لها "نيلسن"، وكانت قصة تغطية تواجدها في العاصمة اللبنانية أنها جاءت من أجل إعداد فيلم وثائقي، وحصلت على عقد مع شركة إنتاج بريطانية.
وصلت ياعيل إلى بيروت، في منتصف يناير/كانون الثاني 1973، ونزلت في فندق، وبعد أيام استأجرت شقة في بناية تقع مقابل البنايتين اللتين يسكنهما عدوان وناصر والنجار.
تعرفت ياعيل، على أشخاص كثيرين وتجولت بحرية في منطقة سكنها، حاملة محفظتها وبداخلها كاميرا التقطت بواسطتها صورا كثيرة وأرسلتها إلى الموساد، وبين هذه الصور، صور للشارع الذي تقع فيه البنايتان وشقق المسؤولين الفلسطينيين الثلاثة، وصورة لحارس عدوان.
الملفات التي أعدها الموساد كانت مليئة بمعلومات كثيرة، كما أعد الموساد ألبومات صور شخصية لكل واحد من المستهدفين، إلى جانب معلومات وصلت من ياعيل ومصادر أخرى.
كما جمعت ياعيل تفاصيل حول مركز الشرطة القريب، ويقع على بعد مئتي متر عن سكناها"، ورصدت ثلاث شركات تأجير سيارات أمريكية من أجل نقل عناصر القوة الإسرائيلية وعتادهم.
وتقرر خلال الإعداد لعملية الاغتيالات، تفجير بناية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
الجيش في قلب بيروت
حتى هذه المرحلة من التخطيط، لم يكن هناك تعاون بين الموساد والجيش الإسرائيلي في عمليات اغتيال، ويعود ذلك إلى سياسة إسرائيلية، مفادها أن إسرائيل بإمكانها نفي اغتيالات ينفذها الموساد، لكن يصعب نفي عمليات ينفذها الجيش وترافقها ضجة كبيرة وتشارك فيها قوات، ورغم هذه السياسة، تقرر أن تنفذ قوة من الجيش العملية في قلب بيروت، وليس الموساد.
الفكرة الأولية التي طرحها رئيس أركان الجيش آنذاك، دافيد إلعزار، أمام باراك، كانت تقضي بغزو البنايتين وإخراج السكان منهما، ومن ثم التعرف على القادة الفلسطينيين الثلاثة وقتلهم، لكن مخططا كهذا بدا خطيرا واعترض باراك عليه.
واقترح باراك خطة تقضي بأنه "بعد أن نكون متأكدين من أن الأهداف الثلاثة يتواجدون في بيوتهم، يجب أن ندخل إلى المدينة، مع قوة صغيرة، ليس أكثر من 15 مقاتلا، والوصول إلى الشقق، واقتحامها، وقتلهم، ثم الانسحاب، وكل هذا خلال بضع دقائق، وسيكون بمقدورنا أن ندخل ونخرج قبل وصول قوات أخرى, وعندما يدركون ما حدث، سنكون خارج البلاد. والأمر الأهم هو الحفاظ على عامل المفاجأة".
ولعل أبرز ما تم تداوله إسرائيل حول هذه العملية، تنكر إيهود باراك، بزي إمرأة خلال العملية.
العصافير في العش
بدأت قوات إسرائيلية التدرب، في بنايات قيد البناء وفي شاطئ البحر في شمال تل أبيب، على تنفيذ عملية اغتيالات واسعة في بيروت، وأُطلقت عليها تسمية "ربيع الشباب"، أو عملية "فردان".
وعندما خرجت عملية الاغتيالات إلى حيز التنفيذ، توجه 6 من أفراد وحدة "قيسارية" إلى بيروت عبر عواصم أوروبية مختلفة، حاملين جوازات سفر مزورة، ونزلوا في فندق "سندس" في العاصمة اللبنانية، واستأجروا سيارات أمريكية كبيرة وركنوها في موقف السيارات التابع للفندق.
وفي اليوم التالي التقى أحدهم مع ياعيل، في فندق إنتركونتننتال، وسلمته المعلومات الجديدة التي جمعتها عن المستهدفين، وبعد يومين التقيا ثانية، بعد أن شاهدت ياعيل المستهدفين الثلاثة في بيوتهم.
بعد ذلك، في 9 أبريل/ نيسان، تجمعت القوات الإسرائيلية، من "سرية هيئة الأركان العامة" ولواء المظليين بقيادة أمنون ليبكين شاحك، في قاعدة سلاح البحرية في حيفا.
وفي الساعة الرابعة بعد الظهر أبحرت بوارج إسرائيلية على متنها الجنود، وعند الساعة السابعة التقى أحد أفراد "قيسارية" مع ياعيل في فندق في بيروت وأبلغته أن المستهدفين الثلاثة في بيوتهم، وتم إبلاغ القوة في البوارج بأن "العصافير في العش".
ساعة الصفر
يوم العاشر من إبريل/نيسان، جرى إنزال 19 زورقا مطاطيا من ثماني بوارج، حملت أفراد القوة الإسرائيلية إلى شاطئ بيروت، بينهم 21 جنديا من "سرية هيئة الأركان العامة" و34 من الكوماندوز البحري و20 من سرية المظليين.
وفي المقابل كانت قوات برية وبحرية وجوية في حالة جهوزية، بحال تشوش العملية، وكان العدد الإجمال للجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في العملية قرابة ثلاثة آلاف.
لدى وصول القوات إلى الشاطئ، حمل أفراد الكوماندوز البحري قوات "سرية هيئة الأركان العامة" على أيديهم كي لا يتلف مكياجهم، فقد كان قسم منهم متنكر كنساء.
عندما وصلت القوة الإسرائيلية إلى البنايتين اللتين يسكنهما المستهدفون الثلاثة، صعد أفرادها الدرج، وعندما وصل كل واحد من الفرق الثلاثة إلى باب شقة أحد المستهدفين، ألقوا عبوات ناسفة، تسببت إحداها بمقتل جارة النجار، وبعد ذلك أطلق الضابط موكي بيتسر النار على النجار وأرداه قتيلا، كذلك قتل زوجة النجار، وأطلق ناصر النار من مسدسه وأصاب جنديا إسرائيليا، ثم قتله أفراد الفريق من "السرية"، بينما حاول عدوان إطلاق النار من بندقية كلاشنيكوف بحوزته، لكنه تردد لأنه شاهد رجلا و"سيدة" عند باب شقته، وقام الضابط إيتاي نحماني بقتله.
وفي إطار عملية "ربيع الشباب"، توجهت سرية المظليين بقيادة ليبكين شاحك إلى حي آخر في بيروت، وتوقفت عند مبنى مؤلف من سبعة طوابق، ويتبع للجبهة الشعبية.
لم تكن هذه القوة تعلم بوجود موقع حراسة أمام المبنى، بسبب نقص في المعلومات الاستخبارية، ووقع اشتباك مسلح أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليّين وإصابة ثالث بجروح خطيرة، بعد ذلك فجرت سرية المظليين المبنى، ما أسفر عن استشهاد 35 مقاتلا من الجبهة الشعبية.
استنتاجات خاطئة
بعد هذه العملية العدوانية الوحشية بأشهر معدودة، نشبت حرب السادس من أكتوبر، التي سجلت فيها قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية إخفاقات، أدت إلى استقالة مئير والإطاحة برئيس أركان الجيش إلعزار.
وعقب باراك، الآن، بالقول إنه "بنظرة إلى الوراء، يبدو لي أنه عدنا من بيروت وقادة الدولة استخلصوا من نجاح العملية استنتاجات خاطئة، وسلسلة النجاحات في عملية الكوماندوز الدقيقة والموضعية، لا يمكن اعتبارها كأن الجيش الإسرائيلي كله نفذها/ وتبع شعور القيادة بالأمن والاطمئنان بشكل مبالغ فيه، ولم نفكر أنهم (مصر وسورية) سيفاجئوننا، وأن يتسببوا لنا بتلك الهزة".
فلتبقى ذكراكم مجيد وخالدة
بدوره، رثى رامي عدوان، نجل الشهيد كمال عدوان، والده في ذكرى استهشاده السابعة والأربعين، معبرا عن فخره واعتزازه بوالده ورفاقه الشهداء.
وقال عدوان، عبر موقع "فيسبوك"، "والدي الحبيب،هو العاشر من نيسان ولقاء يتكرر كل عام في ذكرى استشهادك ورفيقيك كمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت، لا تفقد الذكرى آلقها، بل تتجدد بفخرٍ وأعتزاز".
وأضاف، "لم اعرفك وأنا صغير إنما التقيتك في قصص الأصدقاء وكتابات المُحبين، ومؤخراً في رحلة لتوثيق حياتك وفكرك ونضالك بدأت منذ فترة مع الصديق أحمد جميل عزم وستصدر قريبا".
وأردف، "سأكتب يا والدي أنك كنت رقما صعبا وصاحب رؤيا وبوصلة واضحتين، كنت جاداً وصلبا حيث ساد التردد، حازماً أمام براغماتية مدعاة، ومترفعا عن البهرجات التي لا تفيد، جسّدت حياتك القصيرة منذ اللجوء وحتى الاغتيال قصة طموح وكّد وبطولة فلسطينية فريدة جعلتك هدفا مبكرا لأعداء البشرية الصهاينة".
وتابع، "جميلة ومُلهِمة الحياة في ظلك الكبير، كثير ما أجدني أتساءل أمام أسئلة الحياة عن ماذا كان ليقول أو يفعل كمال عدوان فتأتي الإجابات بدون لبس".
واختتم عدوان، قائلا، "في نيسان، توّجت الشهادة حياة كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ومعهم أم يوسف النجار، وفي نيسان، عبد القادر الحسيني وخليل الوزير، أبو جهاد، ودير ياسين وقصة شعب جبار لن يموت، فلتبقى ذكراكم مجيد وخالدة".