أوان تفكيك السلطة..!
نشر بتاريخ: 2025/12/28 (آخر تحديث: 2025/12/28 الساعة: 16:22)

لم تتواضع السلطة في توفير كل مقومات تفكيكها، فقد وفرت لكل من بات يجدها عبئاً على مشروعه كل المبررات والدوافع والذخيرة اللازمة. فسوء الأداء الذي شاب عملها لسنوات طويلة وانعدام الكفاءة الإدارية والسياسية، وتكشف فقر السياسة في عاميه الأخيرين حين اندلعت الحرب على غزة لتجد السلطة نفسها قد انكمشت بما لا يتناسب مع هول الحدث وضرورات اللحظة واستثمار الدم. وجدت نفسها ووجدها الفلسطينيون حالة هامشية أقل كثيراً من إدارة لحظة بهذا المستوى لتخسر كثيراً من رصيدها الشعبي في الضفة الغربية، حيث سكانها يراقبون من بعيد ما يحدث في غزة مشكلين تصورات لم تكن السلطة قادرة على تلبيتها، والأهم غير قادرة على تبرير موقفها والدفاع عن نفسها أمام سيل من الانتقادات الجارفة.

قبل أسابيع، كان بنيامين نتنياهو يسأل في اجتماع حكومته عن زمن كانت فيه حكومات إسرائيلية تسلم أراضي للفلسطينيين، وهو يغمز على اتفاق أوسلو الذي أصبح بنظره جزءا من الماضي الذي كانت فيه السلطة أحد مكوناته. وهو يعلن أن هذا الزمن قد تغير، لكن إيتمار بن غفير كان كعادته أكثر وضوحاً في طلب تفكيك السلطة. وحين اعتبرت دعوته كلاما عاما طلب من نتنياهو في آب الماضي عقد اجتماع للحكومة يخصص لتفكيك السلطة.

أما بتسلئيل سموتريتش الرجل الأقوى في الحكومة، فهو صاحب فكرة أرض إسرائيل وتسمية الفلسطينيين بالغرباء ما يعني عبثية وجود حكم للغرباء في أرض إسرائيل، وصاحب برنامج النقاط الثلاث التي لا تحتمل وجود سلطة فلسطينية فكان قد بدأ بخطوات عملية منطلقاً من قناعات تحولت إلى برنامج. وقد شملت تلك الخطوات مشاريع استيطانية وعقاب السلطة مالياً ووقف التحويلات المالية بهدف تسريع انهيارها وعدم قدرتها على دفع الرواتب وتسيير الوضع في منطقة لا تحتمل كما غزة. ووصل به الأمر أن يقرر فصل التعامل مع البنوك الفلسطينية في خطوة هي الأخطر لولا التدخل الأوروبي الأميركي لانهارت السلطة نتاج ذلك.

هل غيرت إسرائيل استراتيجياتها تجاه السلطة؟. من يراقب السياسات الإسرائيلية يدرك أنها لا تعمل بردات فعل، فهي تعتبر أن الأحداث بعد السابع من أكتوبر وفرت مناخات لحسم استراتيجيات كبرى في الإقليم، وأهمها الملف الفلسطيني الذي لم تتوفر سابقاً الفرصة لحسمه وفقاً لسياسات اليمين الذي يعمل منذ وصوله للحكم على «إزالة آثار أوسلو»، هكذا عبر نتنياهو وهو يتندر على حكومات كانت تسلم أرضا للفلسطينيين. وللنكتة رد عليه بعض الوزراء بأن حكومته كانت تفعل ذلك عندما وقعت نبضة الخليل.

لكن رغبة إسرائيل وفرصتها اصطدمتا بالواقع الدولي والعربي الذي قام بتحريض الرئيس ترمب على الاعتراض ضد إسرائيل في صالح السلطة وبقائها. فلا العرب ولا أوروبا ولا واشنطن مستعدون لتحمل تبعيات حل السلطة وبرامج سموتريتش العابثة. ويبدو أن ذلك وفر جدار حماية كبيرا للسلطة في الضفة على الأقل. فماذا تفعل إسرائيل التي تجد نفسها بين رغبة سياسية توفرت كل عوامل نجاحها ولن تتكرر إذا ما أفلتت وبين رغبة دولية كبيرة لكنها على النقيض منها؟.

حل السلطة بأيادٍ فلسطينية، هذا هو الحل الأمثل الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل دون أن تترك بصماتها على نمط صخب بن غفير ووضوح أيديولوجيا سموتريتش وذلك من خلال الضغط على السلطة بملفات تبدو منطقية أمام العالم مثل ملف رواتب الأسرى والشهداء وهو الذي تجد إسرائيل معها اصطفافاً دولياً، بل إن إدارة بايدن أيضا كانت قد فتحت هذا الملف وكان بلينكن يجتمع مع الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة ليبلغهم مع بداية تعيينه برفضه استمرار السلطة بصرف رواتب الشهداء والأسرى وضغوطات أخرى على نمط مناهج التعليم والتحريض، ومن المتوقع أن يزداد ضغط إسرائيل خلال فترة لاحقة بهدف دفع الفلسطينيين لمواجهة السلطة وإسقاطها دون بصمة إسرائيلية.

رواتب ورعاية أسر الشهداء والأسرى هو موضوع شديد الحساسية، فقد تقدم هؤلاء الصفوف من أجل الوطن وضحوا بأنفسهم ليعيش الآخرون، فهل يمكن أن يخذلهم الوطن أو يتنكر لعائلاتهم؟ وتبدو استجابة السلطة في لحظة أبادت فيها إسرائيل غزة استجابة متعاكسة مع المزاج العام ولكنها أيضاً متعاكسة مع القوة الإسرائيلية والأميركية في هذا، تتوقف إسرائيل في مطالبها عند حدود ما دام المشروع أكبر، فالأمر بات يهدد كينونة السلطة التي تعتبر آخر كيانية فلسطينية بعد إبادة غزة ومشروع الوصاية الذي يتحضر لها.

لكن حالة الهشاشة والفساد اللتين تطغيان على السلطة تضعفان قدرتها على تجاوز ما يحضر لها. وهناك جهات في السلطة تصاب بالذعر أمام مطالب إسرائيل وتعتقد أن الانحناء قد يحمي أمام عاصفة قررت اقتلاعها بكل الطرق، دون أن تدرك هذه الجهات أن ذلك يشكل إضعافاً للسلطة أمام قاعدتها، وأمام تنظيم «فتح».

ما الحل، إذاً؟ الاستجابة لإسرائيل مسألة تهدد بالإطاحة داخلياً حين ينكشف ظهر السلطة، وعدم الاستجابة يعني تحريض إسرائيل ووقف الدعم الدولي وخضوعها لحصار تصبح فيه عاجزة عن دفع الرواتب تمهيداً لإسقاطها، السلطة في وضع لا تحسد عليه أمام الرغبة بتفكيكها وليس لديها إلا أن تنقل الأزمة للعرب وبالتحديد السعودية القادرة مالياً ليس فقط بسبب هذا، بل هي الوحيدة المؤهلة لنقاش الملف مع ترمب ويمكن أن تكون هي الجهة التي تتكفل بالإشراف على رعاية أسر الشهداء والجرحى لتنجو السلطة من أخطر المطبات.
نقلاًعن الأيام...