حرب غزة: كيف يمكن تلافي نموذج لبنان؟
نشر بتاريخ: 2025/11/05 (آخر تحديث: 2025/11/05 الساعة: 23:19)

بالرغم من مرور ثلاثة أسابيع على قمة شرم الشيخ، التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدد كبير من الزعماء من المنطقة وخارجها، والتي تم فيها التوقيع على خطة ترامب لليوم التالي في غزة، لا تزال الأمور في غزة صعبة وغير مستقرة. وتواصل إسرائيل عمليات القصف المتقطع لأهداف تقول أنها مرتبطة بحركة «حماس». ويبدو أن الوضع هذا أقرب لما هو قائم في لبنان، حيث تحتل القوات الإسرائيلية جزءاً من الأراضي اللبنانية وتواصل علميات الاستهداف لنشطاء «حزب الله» ومواقعه المختلفة. وفي غزة هناك نصف مساحة القطاع محتلة والقطاع مقسم بالخط الأصفر إلى قسمين.

هذا الوضع هو ما تريده إسرائيل في الواقع. فهي لا تريد الانسحاب التام ولا تريد تغيير الأمور في غزة لجهة كف يدها عن التدخل في القطاع، وأن تتطور الشروط في غزة إلى مستوى عودة السلطة الوطنية بشكل تدريجي لاستلام زمام السيطرة الكاملة، وتوحيد شقّي الوطن وبالتالي توفر الظروف لبدء علمية سياسية جادة. ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يراهن على عدم استتباب الأمور لكي يحافظ على ائتلافه الحاكم لأطول فترة ممكنة، ويراهن أيضاً على قِصر نفَس الرئيس ترامب وإمكانية أن يتراجع في أي لحظة تحت ضغط عدم التزام أي طرف، برغم أن ترامب تعامل بجدية كبيرة مع موضوع وقف الحرب في غزة وأرسل طاقم الإدارة الأميركية كله لمتابعة الأمور. وأنشأ المركز الأمني في كريات غات الذي سيشرف على الأمن ومراقبة وقف إطلاق النار وتطبيق الاتفاق.

والذي يمنع العودة للحرب أو تطبيق نموذج لبنان في غزة في الواقع أمران: التزام «حماس» بتسليم كل جثث الأسرى الإسرائيليين في غزة، وهذا على ما يبدو يتقدم بصورة ما. بالإضافة إلى موضوع نزع سلاح «حماس». والأمر الثاني هو مدى التدخل الإقليمي والدولي في مجمل العملية والضغط الذي يمارس على طرفَي الاتفاق. بخصوص نزع السلاح والموضوع الأمني بشكل عام هناك مشروع قرار أميركي سيقدم لإقراره في مجلس الأمن إنشاء قوة دولية تابعة لمجلس الأمن ولـ»مجلس السلام» الذي سيقام لاحقاً للإشراف على تطبيق الاتفاق. وحسب صحيفة «يسرائيل هيوم» أول من أمس، فقد وافقت 14 دولة عربية على مشروع القرار. وحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية ايضاً سيعرض مشروع القرار على مجلس الأمن وهو يشمل تفويضاً دولياً لما يسمى «قوة الاستقرار الدولية» لمدة عامين. وسيكون من مهامها: تأمين الحدود بين غزة وكل من مصر وإسرائيل. وحماية المدنيين والمنشآت الإنسانية ومسار المساعدات. ونزع سلاح «حماس». وإنشاء وتدريب جهاز شرطة فلسطينية جديد لغزة. وسترسل الولايات المتحدة قوات كبيرة، وقد تحذو حذوها دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا.

المشاركة العربية في القوة مشروطة بدور معين للسلطة الفلسطينية، وستكون مصر والأردن الأهم في تشكيل القوة. ولكن هناك دوراً مهماً كذلك للسعودية في دعم المسار السياسي، فالولايات المتحدة تطمح في توسيع «الاتفاقيات الإبراهيمية»، والسعودية تشترط مساراً سياسياً يؤدي لدولة فلسطينية للانضمام للاتفاقيات، وستكون هناك زيارة مهمة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الثامن عشر من هذا الشهر لواشنطن سيلتقي خلالها الرئيس ترامب، وقد يوقع معه اتفاقاً للدفاع المشترك، كانت السعودية تطمح في الحصول عليه. ويبدو أن ترامب سيطرح مسألة دخول المملكة في الاتفاقيات الإبراهيمية، ولكن من المشكوك فيه أن يوافق ولي العهد على هذا الطلب الأميركي الآن.

من مصلحة الفلسطينيين الآن التنسيق مع الدول العربية وخاصة مصر والأردن والسعودية في الخطوات القادمة سواء في تنفيذ خطة ترامب أو في الترتيبات القادمة بخصوص القوة الدولية وإدارة غزة. ولا جدوى لأي موقف فلسطيني مهما كانت قوته بدون الدعم العربي. ومن المهم كذلك الإبقاء على الاهتمام الدولي حاضراً بقوة في المشهد، حتى لا تنفرد إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة بتقرير مصير غزة من طرف واحد. وفي هذا السياق، هناك دور مهم لحركة «حماس» في تقرير وتيرة تقدم الأمور باتجاه تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وإعادة الإعمار والانتقال للمرحلة الجديدة مع كل ما يمكن أن تحمله من إمكانيات. ودورها بالأساس في التسريع بتنفيذ التزاماتها الكاملة، وعدم توفير أي ذريعة لإسرائيل للنكوص عن الاتفاق. وحسب تصريحات خليل الحية القيادي في «حماس» فالحركة لا تنوي منح إسرائيل ذريعة للحكومة الإسرائيلية لخرق الاتفاق، مع أن الأخيرة تخرق الاتفاقات، ولكن لو بقي التزام «حماس» قائماً سيكون من الصعب على إسرائيل الاستمرار في الخروقات خاصة في ظل الرقابة الأميركية وتصميم ترامب على تنفيذ الاتفاق. باختصار علينا أن نعمل كل جهد ممكن لضمان إنهاء الحرب والانتقال السريع للمرحلة القادمة.