التصدع الاجتماعي والانهيار الأخلاقي: إقرار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين. ماذا بعد؟
نشر بتاريخ: 2025/11/05 (آخر تحديث: 2025/11/05 الساعة: 21:26)

بدايةً، لا بدّ من القول إن قانون الإعدام في دولة الاحتلال لم يُطبَّق فعليًا سوى في حالتين: الأولى بحق الضابط العسكري مئير توبيانسكي، الذي جرى إعدامه عام 1948 رمياً بالرصاص بتهمة التجسس، والثانية بحق الضابط الألماني أدولف أيخمان، الذي جرى اختطافه من الأرجنتين إلى إسرائيل، ثم إعدامه بواسطة الغاز لدوره في المشاركة بمذابح الهولوكوست ضد اليهود.

واليوم، في حين يسعى إيتمار بن غفير لإعدام الأسرى الفلسطينيين عبر شرعنة هذا القانون — والذي أعتقد أنه لن يُشرَّع ليس لأسباب قانونية وأخلاقية فحسب، وإنما لأن ذلك سيلحق ضررًا سياسيًا بدولة الاحتلال — في وقت لا تحتاج فيه إلى المزيد من الاتهامات وتشويه الصورة المشوهة أصلاً، في ظل اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

تجدر الإشارة إلى أن محكمة الجنايات الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا تزال القائمة قائمة. كذلك، إضافة إلى ما تقوم به مؤسسة "هند رجب" من ملاحقة لجنود وضباط الاحتلال في دول العالم بسبب ارتكابهم جرائم حرب متواصلة ومستمرة، وقد جُرِي في أكثر من مرة — وبأكثر من دولة — تهريب جنود للاحتلال من عدة دول خوفًا من اعتقالهم ومحاكمتهم على خلفية مشاركتهم في تلك الجرائم.

أعتقد بأن بن غفير يحتاج هذا القانون سياسيًا وكجانب دعائي لزيادة شعبيته ورصيده في الانتخابات التشريعية العامة القادمة. صحيح أن هذا القانون قد جرى إقراره في لجنة الأمن القومي بالقراءة الأولى، ويحتاج تمريره والمصادقة عليه إلى ثلاث قراءات، وأن رئيس دولة الاحتلال نتنياهو أيد هذا القرار لمن «يقوم بقتل يهود على خلفية قومية»، ولكن «بعد أن ينال محاكمة عادلة» على حد زعمه. إلا أنني أعتقد بأن التداعيات السلبية لهذا القانون وردود الفعل من المنظمات الحقوقية والإنسانية ودول العالم سـ «تعْرقل» إقراره، وخاصة أن إسرائيل تمارس الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين خارج القانون، حيث استشهد 81 أسيرًا فلسطينيًا حتى الآن في سجون الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023، ليس فقط بسبب سياسة الإهمال الطبي والتجويع، بل بسبب عمليات القمع والتنكيل العنيفة، ناهيك عن الموت البطيء الذي نشاهد مظاهره فيما يقوم به المتطرف بن غفير من عمليات تعذيب ممنهجة بحق الأسرى — من عرضهم وهم في أوضاع مأساوية جدًا، حيث يُوضَعون على الأرض على وجوههم، وأيديهم مكبَّلة من الخلف، وكذلك التباهي بعدم تقديم الطعام لهم، وانتشار الأمراض المعدية والخطيرة في صفوفهم بسبب انعدام وسائل ومواد النظافة ومنع الاستحمام.

وما كشَفَته المدعية العسكرية العامة «الإسرائيلية» يفعات تومر يروشالمي عبر فيديو، من قيام عدد من جنود الاحتلال في «مسلخ» سِدَي تِيمان بتعذيبٍ واغتصابٍ بحق أسير فلسطيني، يكشف عن الانهيار الأخلاقي في صفوف جيش الاحتلال. ورغم أنها قامت بعملية الكشف هذه ليس تضامنًا أو تعاطفًا مع الأسير الفلسطيني، بل من أجل إنفاذ القانون، إلا أن ردود الفعل تجاه ما قامت به من قبل قادة دولة الاحتلال كانت عنيفة جدًا. حيث قال رئيس وزراء الاحتلال إن ما جرى يشكّل أخطر هجوم إعلامي حصل لدولة الاحتلال منذ قيامها، فهي لم تعرض أمن دولة الاحتلال وأمن جنودها للخطر فحسب، بل ألحقت ضررًا بالغًا بهذا الجيش الذي يتباهى نتنياهو بأنه «أكثر جيش أخلاقي». وقد قُبِلَت استقالة المدعية العامة العسكرية، وخرجت أصوات تنادي بإقالتها وحرمانها من راتبها وكلّ حقوقها لهذه «الجريمة الخطيرة» التي ارتكبتها. وبعد ذلك، دخلت تلك المدعية العامة في أزمة نفسية عميقة، ربما دفعتها للتفكير بالانتحار من خلال الرسالة التي تركتها، لكن جرى العثور عليها بعد حملة تفتيش واسعة بصحتها جيدة، ثم جُرِي اعتقالها ووضعها في زنزانة — أمر بن غفير بوضع كاميرات فيها لمراقبة حركتها على مدار الساعة.

من الواضح أن تركيز قادة دولة الاحتلال كان على الفضيحة، وليس على الجريمة التي جرى ارتكابها. ومن هنا فإن إسرائيل، وهي تمارس عمليات الإعدام خارج القانون بحق أسرى ومواطنين فلسطينيين، ليست بحاجة إلى إقرار مثل هذا القانون، فهي تقوم بذلك دون أي رادع أو حتى مساءلة.

نرى عمليات الإعدام والقتل بحق من يجتازون جدار الفصل العنصري بحثًا عن لقمة العيش، حيث يدفعهم العوز والجوع للقفز عن الجدار، وهم يتوقعون أن يُقتلوا أو يُجرحوا أو يُعتقلوا؛ وكذلك الأمر ما يتعرض له قاطفوا الزيتون من قبل المستوطنين من إطلاق نار وقتل وجرح وقطع أشجار وسرقة محاصيل وقتل حيوانات وغيرها.

ما قالته صحيفة "إسرائيل هيوم" المحسوبة على اليمين، يدلل بشكل واضح على عمق المأزق والأزمة التي تعيشها دولة الاحتلال، حيث قالت في تقرير لها يوم الإثنين: "إسرائيل في لحظة 'انكشاف تاريخي' بعد 7 أكتوبر.. 'قطيع متوحش وسقوط داخلي وصدمة وانهيار للثقة بالجيش'".كما كشفت تلك الصحيفة عن حجم التصدع الاجتماعي والانهيار الأخلاقي الذي يضرب إسرائيل منذ هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023.

وأكثر من ذلك، قالت الصحيفة إن المجتمع الإسرائيلي "فقد بوصلته الأخلاقية وتحول إلى قطيع متوحش".

وتضيف الصحيفة أن "إسرائيل" تعيش انفلاتًا غير مسبوق في الخطاب والتحريض، حتى ضد قيادات عسكرية، إذ تلقت المدعية العسكرية رسائل تدعو إلى "حرقها وإعدامها شنقًا".

في حين يلخص الخبير الإسرائيلي بن كاسبيت المشهد بقوله: "7 أكتوبر لم يهاجم إسرائيل من الخارج فقط.. بل عرى تآكلها من الداخل". أما الباحث شلومو بن عامي فيشير إلى أن إسرائيل تدخل مرحلة "ما بعد المشروع الصهيوني الكلاسيكي".

إذًا، من خلال هذه الأقوال، والتي نجد فيها مدى التصدع الاجتماعي والانهيار الأخلاقي الذي تعيشه دولة الاحتلال بفعل تداعيات السابع من أكتوبر، فليس بالغريب والمستغرب على شخص محسوب على جماعات متطرفة مثل بن غفير، كان على هامش المشروع الصهيوني وأصبح في قلبه، بل ومقرر في سياسات حكومته، أن يطرح مثل هذا المشروع القانوني، إعدام الأسرى الفلسطينيين، خدمة لأهدافه السياسية وكمشروع دعائي يحتاجه في ظل مجتمع يغرق في العنصرية والتطرف، من أجل زيادة شعبيته في المجتمع "الإسرائيلي"، لكي يحصل لحزبه على مقاعد أكثر في الانتخابات التشريعية العامة القادمة. فعمليات إعدام الفلسطينيين خارج القانون مستمرة ومتواصلة، و"إسرائيل" لا تحتاج إلى تشريع قانون يجلب لها المزيد من تحطيم صورتها المحطمة على الصعيد العالمي.