إسرائيل اليوم تواجه واحدة من أسوأ لحظاتها على الساحة الدولية، حيث باتت عاجزة عن تسويق روايتها حتى أمام أقرب حلفائها، في ظل موجة الغضب الدولي المتصاعدة، والانكشاف الكامل لسياستها تجاه قطاع غزة.
في الأروقة السياسية الإسرائيلية، سواء في المجلس الوزاري المصغّر أو داخل الكنيست، تُطرح تساؤلات جدّية: كيف يمكن العودة إلى قطاع غزة بعدما انسحبنا منه عام 2005؟ وما الذي يعنيه ضمّ القطاع مجدداً سوى تحمّل أعباء صحية وتعليمية واقتصادية وإدارية باهظة الثمن؟ إن إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وتوفير الخدمات الأساسية، سيتطلب من إسرائيل مليارات الدولارات ومسؤوليات لا تريدها ولا تقدر على تحملها.
في المقابل، هناك من يفكر بإحياء خطة “الترانسفير” – أي التهجير – كحل مؤقت، لكن هذا التوجه يصطدم بجدار الاعتراض الدولي المتصاعد، خاصة في ظل موجة الاعتراف المتنامية بدولة فلسطين، والتضامن العالمي مع سكان غزة الذين يواجهون كارثة إنسانية غير مسبوقة، مثل هذه الخطوة قد تضع إسرائيل والولايات المتحدة في موقف حرج جداً أمام الرأي العام العالمي، الذي بات أكثر وعياً ورفضاً للسياسات الإسرائيلية.الواقع أن إسرائيل تقف اليوم في موقع الدفاع لا الهجوم، بفعل الحراك الدولي الكبير الذي قادته دبلوماسية عربية نشطة، تقودها مصر والسعودية، إلى جانب تحركات أوروبية أربكت الموقف الأميركي وأحرجت البيت الأبيض، وتحت ضغط الصور القادمة من غزة، التي كشفت حجم الكارثة والمجاعة، أصبح من الصعب على أي طرف دولي تبرير ما تقوم به إسرائيل.
التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية دقت ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن نحو 22% من سكان غزة مهددون بالموت جوعاً، وسط انعدام تام للغذاء والمياه والخدمات الطبية.
في ظل هذه المعادلة، لم يعد أمام إسرائيل سوى خيار واحد: ضخ مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع، والسير نحو اتفاق هدنة، ولو جزئية، علّها تحد من الانهيار الكامل لصورتها على المستوى الدولي، فأي خطأ إضافي، سواء في غزة أو الضفة، قد يُفقدها آخر أوراقها السياسية والإعلامية، ويضعها في عزلة غير مسبوقة حتى من قبل شركائها التقليديين.