عشية "طوفان حماس" يوم 7 أكتوبر 2023، كانت الولايات المتحدة، في عهد بايدن تعمل بكل السبل عبر وزير خارجيتها بلينكن، لتحريك علاقة دولة اليهود الفاشية والعربية السعودية، واجهت عقدة مركزية "معلنة" بأن الرياض لن تذهب نحو خطوات تجاه تل أبيب دون تحديد مسار واضح يؤدي إلى دولة فلسطينيية.
ومع قدوم العهد الترامبي يناير 2025، تسارعت الجهود الأمريكية، خاصة خلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض، من أجل تحريك خط العلاقات السعودية مع دولة الكيان، مستفيدة من تحقيق دولة الكيان "منجزات خاصة" ضد ما كان يعرف بـ"محور الفرس"، ليس بتفكيكه عمليا، بل كشفت هشاشته الكلامية على حساب "مقاومة افتراضية" عاشت بالوهم سنوات، وتأثير ذلك على إسقاط نظام الأسد، واستلام جبهة النصرة التي باتت "شرعية" وفقا للقانون الأميركي وكذا الخليجي، وعودة لبنان إلى واقع أقرب لما كان قبل خطفه عام 2006، بعد اغتال رفيق الحريري.
ودخلت تركيا طرفا مؤثرا في العمل على استخدام الحراك السياسي الجديد، لتكون "لاعبا" من الباب السوري، نحو ترتيبات خاصة بين دولة الكيان والنظام الجديد بقيادة أحمد الشرع، بتنسيق هو الأول منذ 2011، وبهدف نحو توافق إقليمي مستحدث، يمر عبر تل أبيب، في مفارقة سياسية نادرة.
لم يكن مفاجئا، أن تبدأ وسائل إعلام عبرية بالكشف عن ترتيبات بدأت بين دولة الكيان وأطراف عربية، وتركيا بدفع أميركي نحو توسيع علاقات التطبيع والتعاون الإقليمي، ولعل ما قاله رئيس الكيان هرتسوغ كثف الهدف الاساس لهم، بأنه يجب استغلال الفرصة التاريخية التي بدأت وعدم تفويتها، فرصة ترسيخ التعاون وتوسيع أطرافه.
لم يتنازل رئيس حكومة الفاشية اليهودية عن ما أعلنه يوم 9 أكتوبر 2023، ببدء حرب تغيير الشرق الأوسط بالعامل الإسرائيلي، في إعلان مر مروا عابرا بين "بطولات المقاومة الافتراضية"، التي شكلت القاطرة الأهم لتحقيق رسم خريطة إقليمية جديدة تقترب من "الحلم الصهيوني" من النيل إلى الفرات جغرفيا وأمنيا وتعاونا شموليا.
لم تعد مسألة توسيع علاقات التطبيع الشامل بين دول عربية ودولة الكيان مسالة للنقاش، فقد باتت وكأنها أحد المسلمات السياسية، تناقش "آلياتها"، وكيفية الوصول لها وتوزيع أدوار مراكزها، خاصة وتل أبيب تتطلع لأن تكون صاحبة اليد العليا بعد "منجزاتها" العسكرية، وما تتغنى به من "نصر" على المحور الفارسي.
ومن الملاحظ، أن "التطبيع الشعبي – الإعلامي" مع دولة الكيان في دول عربية يسبق بخطوات "التطبيع الرسمي"، في حين أن مصر والأردن وهما الأقدم في علاقات التطبيع رسميا، يغيب "التطبيع الشعبي"، بل حالة العداء لدولة الفاشية اليهودية تضاعفت عما كانت سابقا، بفعل حرب الإبادة الجمعية ضد فلسطين شعبا وأرضا، وهو ما لم يجد طريقه في دول "المطبعين الجدد"، بعيدا عن "مظاهر أنسنة" مواقفهم اللغوية المستخدم جسرا لربط أقوى مع دولة العدو الاحلالي.
قوة الاندفاعة التطبيعية "التاريخية"، لن تكتمل بأركانها دون مسار مع العربية السعودية، رغم وجود مظاهر متعددة لتطبيع غير علني، وذلك يصطدم بعقبة القضية الفلسطينية، عقبة قد يتم التحايل عليها بـ "وعد ترامبي" نحو مسار لرسم سلام شامل تكون به فلسطين دون حدود وتحديد.
تغييرات "جذرية" لم يكن لها أن تكون دون أحداث كبرى بدأت يوم 7 أكتوبر، فيما أسمته جهات "المقاومة الافتراضية" بـ "طوفان الأقصى"، لتكون باب العبور الكبير لدولة الفاشية اليهودية بمشاركة أمريكية مركزية نحو ترتيبات المشهد الإقليمي الجديد، بما يتوافق وأهداف المصالح الاستغلالية الحديثة.
ترتيبات اليوم التالي لحرب المنطقة بدأت عمليا، لم تنتظر انتهاء حرب غزة كونها تفصيلا استخداميا في المشهد العام، ولم تقف عند حدود تفاهم مع بلاد فارس، التي ستجد ذاتها تحت ضغط إكراهي لتغيير إجباري، فيما لو أرادت "التعايش التعاوني" ضمن الترتيبات الحديثة، خاصة مع اقتحام تركيا عبر بوابة سورية، وبتفاهم مع دولة الكيان على تقاسم وظيفي أمني.
لعرقة قطار التطبيع الاندفاعي يجب حدوث انتفاضة شاملة تبدأ بقراءة شمولية لجوهر التغيرات الكبرى، ومحاكمة الأدوات التي فتحت بابها، بما يعيد ترتيب قوة المواجهة بعيدا عن شعارات الأسلمة الأمريكانية و"الشعبوية الفارسية"، وعودة لجذور الوعي والرؤية التي ترى حقا أن أمريكا هي العدو شراكة مع دولة الكيان.
ممر المواجهة في مرحلة "التطبيع الاندفاعي الجديد"، قد يكون هو الأكثر تعقيدا وصعوبة من مسارات الفعل الثوري بثوبه القديم، ما يفرض طرقا وأدوات حديثة خالية من مخلفات زمن بات باليا.