نحو عدالة لفلسطين وللبشر كافة
نشر بتاريخ: 2025/07/09 (آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 22:24)

طيلة ما يقارب السنتين، برز تساؤل كبير حول مدى مصداقية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومدى فاعليته في تحقيق العدالة؛ بسبب انتهاك مبادئه مرارًا وتكرارًا، بشكل صارخ، وتحت سمع العالم وبصره؛ على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري، الذي ارتكب ويرتكب إبادة جماعية متواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتطهيرًا عرقيًا وتهجيرًا، وقتلًا واعتقالًا وتدميرًا، في القدس، وفي مخيمات الضفة الغربية.

وإذا كانت مواقف بعض الدول الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي معروفة منذ زمن بعيد، وليست مفاجئة؛ لكن عجز المؤسسات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، عن وقف الأعمال الإجرامية في غزة والقدس والضفة، بالإضافة إلى تواطؤ عدد من المؤسسات والمنظمات والبنوك والجامعات والشركات غير الحكومية مع هذه الدول؛ كان فاجعًا وجديرًا بالمساءلة.

ومن هنا، جاء التقرير التحليليّ المتميِّز، الذي قدَّمته الحقوقية فرانشيسكا ألبانيزي - المقرِّرة الخاصّة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة - مهمًا وضروريًا، ويضع النقاط على الحروف، ويسمّي المصطلحات القانونية بأسمائها التي ورد تعريفها في القانون الدولي، حيث مصطلح الإبادة الجماعية يعني ارتكاب تدمير كلي أو جزئي لجماعة على أسس قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية؛ ولا يعني الدفاع عن النفس، ومصطلح التطهير العرقي يعني إزالة مجموعة عرقية قوية لمجموعة إثنية أو عرقية أخرى، باستخدام وسائل قسرية، مثل التهجير، وغالبًا ما يرتبط بجرائم ضد الإنسانية، ولا يعني الهجرة الطوعية، ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ هو نضال مشروع، ومقاومة كفلها القانون الدولي، وليس عملًا إرهابيًا. وأما منع جريمة الإبادة الجماعية، وعقاب مرتكبيها؛ فتنصّ عليه «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، التي صادقت عليها 152 دولة، والتي دخلت حيّز التنفيذ منذ 12 كانون الثاني، 1948.

استند التقرير إلى أكثر من مائتي بلاغ من دول، ومن أكاديميين/ات، ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وشركات، وجاء عنوانه دالًا وفي الصميم: «من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية»، مؤكّدًا على المسؤولية الاقتصادية للدول الثالثة والشركات غير الحكومية، في أعمال الإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة، خاصة أنها تستفيد من استمرار الاحتلال والإبادة.

حدَّد التقرير أسماء أكثر من 60 شركة دولية - شملت شركات صناعة الأسلحة، وشركات التكنولوجيا، وشركات المعدّات الثقيلة، وشركات الطاقة، وشركات الحوسبة، وشركات السياحة – واتهمها - بالإضافة إلى اتهامه بعض الجامعات وصناديق التقاعد والبنوك والمؤسسات الخيرية - بالاستفادة تاريخيًا من «سياسات التهجير والاستبدال؛ الركيزتين الاقتصاديتين للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي».

هذه الشركات التي تدعم الأعمال العسكرية في غزة، والقتل الجماعي، والتدمير الممنهج، وقطع الوقود والكهرباء عن غزة، وتعطيل المستشفيات عن الخدمة، وتعطيل محطات تحلية المياه، ودعم تقنيات المراقبة والاعتقال، ودعم بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية، وترويج المستوطنات في الأسواق العالمية، وتسويق منتجات المستوطنات دون رقابة – المستوطنات المرتبطة ماليًا بنهج الفصل العنصري والعسكرة الإسرائيلي - بنيّة الربح؛ ما يجعلها شريكة في جريمة الإبادة الجماعية، ويحتمِّ بالضرورة مساءلتها ومحاسبة مديريها التنفيذيين قانونيًا؛ لانتهاكها الصارخ للقانون الدولي.

*****

ما ميَّز التقرير الذي قدّمته فرانشيسكا ألبانيزي؛ تلك الرؤية الثاقبة، غير المهادنة، التي ربطت بين الاقتصاد والسياسة بمنظور قانوني، حيث ربط التقرير بعمق بين بنية النظام الرأسمالي المعولم المتوحِّش، ومشروع الإبادة الجماعية، المدرّ للربح. وجاءت توصياته، التي تمّ توجيهها إلى الدول الأعضاء، والكيانات التجارية، والأمم المتحدة؛ منسجمة مع هذه الرؤية، من منظور القانون الدولي، الذي يستوجب فرض عقوبات على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وفرض عقوبات ومساءلة للدول الثالثة، وللكيانات والأفراد المتواطئة مع الاحتلال، والمستفيدة من استمراره.

*****

ما يحدث في فلسطين من عدوان متواصل، ومجازر وحشية، ضمن مخطط التطهير العرقي، والإبادة الجماعية؛ لا يدمِّر ويسحق أرواح الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم فحسب؛ بل يسحق القيم التي بناها وراكمها الإنسان عبر تاريخه؛ قيم العدل والحرية والمساواة.

وما نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاستعماري العنصري، ومطالبته بالحرية والاستقلال وتقرير المصير، ونضال شعوب العالم الحرّ ضد العسكرة، والفكر العسكري، والاحتلال، والاستعمار، والتمييز، واللامساواة، وازدواجية المعايير، والإفلات من العقاب؛ سوى استعادة للقيم الأخلاقية والقانونية والكرامة الإنسانية لفلسطين، وللبشر كافة.