هل ننجو من حرب الإبادة؟
نشر بتاريخ: 2025/07/08 (آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 00:52)

قرار وقف حرب الإبادة في قطاع غزة أصبح أيضاً بيد الرئيس ترامب، وهو من صنف قرارات وقف الحروب السابقة في إيران ولبنان.

ترامب يملك القدرة على إنهاء الحرب ولديه الكثير من الحوافز كرغبته الشخصية في العظمة، كي تكون «أميركا عظيمة» بحسب شعاره الانتخابي.

وهو بصفته العقارية ينحاز لإبرام صفقات سريعة بأقل تكلفة وبأعلى جدوى ربحية. وما يهمه الآن وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كي يتسنى له الاستثمار في إعادة بناء وتوسيع السيطرة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة التي تدر له أرباحاً هائلة.

قرار ترامب بوقف الحرب ليس بأي ثمن وإنما بالشروط الإسرائيلية التي تبناها وسعى إلى تحقيقها منذ فوزه في الانتخابات وسيطرته على البيت الأبيض، وهي إعادة الأسرى الإسرائيليين، وتجريد قطاع غزة من السلاح وإزالة أي خطر أمني يهدد إسرائيل، وإنهاء حكم حماس.

تختلف حسابات ترامب ونظرة إدارته الشمولية للسيطرة والربح عن حسابات نتنياهو الأنانية الضيقة التي تتمحور حول البقاء في الحكم بضمانة معسكره الكاهاني الذي يسعى إلى إعادة احتلال غزة واستيطانها وتهجير مواطنيها وضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، وتحتل رغبة نتنياهو في الإفلات من المحاكمة الداخلية بتهم الفساد ومسؤوليته عن 7 أكتوبر أولوية على ما عداها.

بناء على ذلك يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد حرب الإبادة في الوقت الذي يرغب فيه ترامب بوقف الحرب التي تؤخر انطلاقته في إعادة بناء السيطرة والاستثمار من الوزن الثقيل.

ومن الطبيعي أن يُحل التناقض الثانوي بين نتنياهو وترامب لصالح الأخير لا سيما أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والمعارضة الإسرائيلية ترى أن الحرب حققت واستنفدت أهدافها العسكرية، ما يعزز دعوة ترامب لوقف الحرب التي باتت تقتصر على تدمير ما تبقى من منازل ومرافق وعلى قتل المدنيين حتى وهم يحتشدون للحصول على الغذاء – بحسب اعترافات الجنود لصحيفة هآرتس – فضلاً عن ترهيب وتجويع واستنزاف وإذلال مليونَي شخص وحشرهم في 20% من مساحة القطاع توطئة لتهجيرهم قسراً بعد إفقادهم كل شيء، وتسمية أبشع وأعنف عملية تطهير عرقي بالتهجير الطوعي.

يراهن ترامب على انطلاقة تبدأ بوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً والإفراج عن نصف الرهائن وإطلاق أضعافهم من الأسرى الفلسطينيين، وإدخال المساعدات والتفاوض على إنهاء الحرب خلال هذه المدة، والتي تتضمن الترتيبات الأمنية، والسلاح وفصائل المقاومة، ومن يحكم قطاع غزة.

لا يوجد خلاف أميركي إسرائيلي حول أهداف الحرب كما حددتها المؤسسة الإسرائيلية، مع فارق بسيط حول كيفية الوصول إلى النهايات بعد قطع شوط شاسع في حرب الإبادة، يتلخص الخلاف بأن إدارة ترامب ترغب في اتفاق مع حماس يتضمن التزامها بالأهداف مع توفير غطاء عربي، مقابل ضمانات أميركية بعدم شطب حركة حماس وعدم تعرض قيادتها للاغتيال، وبقاء مواردها وأصولها المالية دون مصادرة، وقد تقبل إدارة ترامب بقليل من حضور سياسي للحركة في اليوم التالي، كما تقول المعلومات المتداولة.

خلافاً لذلك، يبدو أن حركة حماس تتفاوض على إنهاء الحرب وانسحاب قوات الاحتلال، وإعادة الإعمار، وفتح معبر رفح، وهذه أهداف مشتركة لكل الشعب الفلسطيني، لكن الحركة تتجاهل تفاوضها الأهم على وجودها ودورها اللاحق وهي أهداف فئوية خاصة بتنظيمها وتتعارض مع المصلحة المشتركة لعموم المنكوبين والمهددين بحدوث المصيبة.

إن وقف الحرب والانسحاب يحتاج إلى الإفراج عن بقية المحتجزين الخمسين وتراجع حماس عن حكمها وسلاحها، كان ذلك كافياً ليتحول الضغط الدولي والعربي وضغط 70% من المجتمع الإسرائيلي على حكومة الاحتلال لوقف الحرب، في هذه الحالة يصبح استصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الحرب أمراً ممكناً.

لكن تفاوض حماس على بقائها يكلف المجتمع في قطاع غزة ضحايا يتجاوز عددهم المئة شهيد يومياً وجلهم من الأبرياء، وإطلاق حماس صاروخاً أو صاروخين لا يؤديان إلى خسائر، أو إلى ردع المعتدين، بل هي مجرد رسالة مكتوبة بدماء الأبرياء تقول: «نحن اليوم التالي» بثمن ضخم هو رد إسرائيلي إجرامي يحصد أرواح العشرات ويؤدي إلى تهجير عشرات آلاف المواطنين من مكان الإطلاق وتدمير بقايا منازلهم فضلاً عن ترويعهم وإذلالهم.

هذا تكتيك ينم عن جهل سياسي مفرط، ويعبر عن عمى أيديولوجي في أحسن الأحوال.

يقول تعميم لحركة حماس بعد وقف الحرب الإيرانية: (لا نُعول على قوة بشر .... هذه السفينة لأهل العقيدة الصافية، لا يثبت على متنها إلا من باع الدنيا وأعرض عن زخرفها.. أبحرنا ولا نطلب دنيا ولا سلطة).

تفاوض حماس على بقائها بمستوى متدنٍ من معرفة العدو، لا يُحسِّن شروط حماس التفاوضية، ويفتك بالمواطنين ويهدد وجودهم، ولا يؤدي إلى معاقبة مرتكبي جرائم الحرب الذين حظوا «بحق الدفاع عن مواطنيهم» من صواريخ لا تؤذي عملياً ويجري اعتراضها بنسبة 99%، في الوقت الذي تتعامل فيه حماس مع «حق التفريط بحياة مواطنيها» بدعم نخب سياسية وثقافية لا تدافع عن أبسط حقوقهم في الحياة، وتتعامل مع المقاومة كطقس مقدس منفصل عن موازين القوى والخسارة والربح والخطر الوجودي الذي يتهدد الشعب والقضية، أي بمنطق وبمفهوم حماس.

تستمر حركة حماس في احتكار قرار مواصلة الحرب غير آبهة بالتحولات والمتغيرات التي تستحثها سلطات الاحتلال بنسختها الكاهانية، وهي إذ تتحدث عن عرض موقفها وتعديلاتها على ورقة ويتكوف الأميركية على التنظيمات، وتقول إنها وافقت عليها، دون أن تقول تلك التنظيمات رأيها أو تحدد شكل مشاركتها في القرار الحمساوي.

ويبدو أن حركة حماس تصر على الانقسام وعلى عمل موازٍ وبديل للشرعية الفلسطينية بتجاهلها لمنظمة التحرير الطرف الشرعي الفلسطيني الوحيد.

ويستمر نتنياهو وحكومته المتطرفة في استبعاد الحل السياسي للحرب لصالح الحل الأمني بصيغة حرب الإبادة والتهجير والضم، فهو يطلب من جيشه تقديم خطط لتعميق السيطرة على القطاع وتهجير مئات الآلاف من مدينة غزة والمخيمات المحيطة بها إلى الجنوب، ويطالب بإضافة مراكز توزيع غذاء جديدة.

ومن اللافت أن المشروع العربي الدولي لربط إنهاء الحرب بحل سياسي ينهي الاحتلال ويقيم دولة فلسطينية، انطفأ مع الهجوم الإسرائيلي الأميركي على إيران ولم يعد إلى الواجهة مرة أخرى، ما يجعل نتنياهو يصول ويجول منفرداً في الميدان السياسي، حيث تستفرد حكومة نتنياهو بالقضية الفلسطينية عبر الزحف الاستيطاني في الضفة الغربية بزيادة قدرها 40%، المترافق مع تغيير قانوني يحفز نشر البؤر وبناء مستوطنات جديدة، ويشجع مواصلة التطهير العرقي للتجمعات البدوية والرعوية والفلاحية الفلسطينية ومخيمات الشمال وكل ذلك من أجل ضم الضفة الغربية.

كما تعمل حكومة الحرب على تفتيت المجتمع الغزي من خلال تشكيل وتشجيع مليشيات وجماعات وعشائر مسلحة تمارس السطو والقتل وتقدم قيم التعصب والتحلل من الرابطة والهوية الوطنية لصالح الهوية العائلية والعشائرية.

لا شك في أن هذه المخاطر تزايدت على وقع حرب الإبادة المتواصلة منذ 7 أكتوبر وأصبحت تهدد الوجود والحقوق الفلسطينية الوطنية والمدنية، ما لم يتم قطع الطريق عليها بمبادرات وأشكال نضال جديدة.