كشفت وكالة "أسوشييتد برس" في تقرير استقصائي أن متعاقدين أميركيين يعملون ضمن آلية توزيع المساعدات في غزة، بإشراف "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) الممولة من الحكومة الأميركية، أطلقوا ذخيرة حيّة وقنابل صوتية لتفريق فلسطينيين جائعين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية. ونقلت الوكالة عن اثنين من هؤلاء المتعاقدين، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أنهما قررا كسر الصمت بسبب "الممارسات الخطيرة وغير المسؤولة" التي شاهداها داخل مراكز التوزيع.
أحد المتعاقدين أفاد بأن زملاءه يستخدمون بانتظام رذاذ الفلفل والقنابل الصوتية، ويطلقون الرصاص في الهواء، وأحياناً نحو الجموع، ما يتسبب في إصابات خطيرة بين المدنيين دون مبرر. وأشار إلى أن فرق الأمن تقوم بتوثيق وجوه المستفيدين من المساعدات وتشارك هذه المعلومات مع الجيش الإسرائيلي، وهو ما أكدته مقاطع مصوّرة تظهر فلسطينيين محشورين بين بوابات حديدية وسط دوي إطلاق نار وانفجارات.
التقرير أظهر للمرة الأولى تفاصيل ما يجري داخل هذه المراكز، التي أُنشئت في فبراير الماضي بتمويل أميركي قدره 30 مليون دولار، وتخضع لحراسة مشددة من قبل شركة "سيف ريتش سولوشنز" (Safe Reach Solutions - SRS). وقد منعت السلطات الإسرائيلية الصحافيين من دخول هذه المواقع، فيما قالت الشركة إن "لم تقع إصابات خطيرة حتى الآن"، لكنها أقرت باستخدام الذخيرة الحية "بعيدًا عن المدنيين"، مبررة ذلك بضرورة حماية أمن المساعدات.
شهود عيان تحدثوا عن إطلاق نار يومي من القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين أثناء توجههم إلى مراكز المساعدات، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات، رغم نفي الجيش الإسرائيلي الذي قال إنه يطلق فقط "طلقات تحذيرية"، وأعلن فتح تحقيق بشأن إصابات المدنيين.
أحد المتعاقدين ذكر أن فلسطينيين خاطبوه قائلين: "جئنا نأخذ طعامًا لعائلاتنا، لماذا تطلقون النار علينا؟"، في حين أظهرت المقاطع المتداولة عناصر أمن أميركيين وهم يناقشون أساليب تفريق الحشود وسط إطلاق نار كثيف، وفي إحدى اللقطات قال أحدهم لزميله: "أعتقد أنك أصبت واحدًا"، ليرد الآخر قائلاً "أجل! يا رجل!". وتظهر مشاهد أخرى رجالًا يرتدون الزي الرمادي يلقون قنابل صوتية ويستخدمون رذاذ الفلفل داخل ممرات حديدية مكتظة بالمدنيين.
وكشفت وثيقة داخلية لشركة SRS أن الإصابات وقعت في 31% من عمليات توزيع المساعدات خلال أسبوعين في يونيو، رغم وصفها بأنها "غير خطيرة". كما أشارت التقارير إلى وجود غرفة تحكّم مشتركة بين متعاقدين أميركيين والجيش الإسرائيلي قرب معبر كرم أبو سالم، حيث تتم مراقبة مواقع التوزيع عبر كاميرات مزوّدة بتقنية التعرّف على الوجوه، ويُطلب من عناصر الأمن تصوير كل شخص يُشتبه في كونه "غير مناسب"، دون توضيح المعايير المستخدمة.
شركة SRS نفت استخدامها للبيانات البيومترية أو جمع معلومات استخبارية، لكنها أكدت تعاونها مع السلطات الإسرائيلية كغيرها من الجهات العاملة في غزة. وأوضح المتعاقدان أن العملية بدأت بشكل متسرع في مايو الماضي، من دون تدريب أو قيادة واضحة، حيث جُلب العديد من العناصر قبل أيام فقط من انطلاق المهمة، وبعضهم لا يمتلك أي خبرة قتالية.
القواعد الناظمة لاستخدام القوة وصلت بعد ثلاثة أيام من بدء التوزيع، وتنص على السماح باستخدام القوة القاتلة فقط في "الضرورة القصوى"، واستخدام الوسائل غير القاتلة فقط في حال وجود "عنف جسدي"، وهو ما لا تظهره المقاطع المصورة. وأكد أحد المتعاقدين أنه تزوّد بمسدس وقنابل صوتية وغاز مسيل للدموع وسلاح أوتوماتيكي إسرائيلي الصنع، مشيرًا إلى أن زملاءه أطلقوا النار من أبراج مراقبة وتلال ترابية حتى بعد ابتعاد الحشود.
المتعاقد حذّر في ختام شهادته من أن استمرار هذه العمليات بهذا الشكل سيؤدي إلى مزيد من الإصابات وربما القتلى في صفوف الأبرياء الذين يبحثون فقط عن الطعام. في حين وصفت جهات أممية وحكومية في غزة هذه المراكز بأنها "مصائد موت"، مؤكدة أن الاحتلال يستخدم المساعدات كأداة ضمن خططه العسكرية في القطاع.