دروس غارة الدوحة

غسان زقطان
دروس غارة الدوحة
دروس "غارة الدوحة" كثيرة، مروحة واسعة من الحقائق، بعضها متداول قبل انطلاق الصواريخ نحو المنزل في الحي السكني في العاصمة القطرية، ومقتل العريف القطري سعد الدوسري وخمسة من أعضاء "حماس" من بينهم همام نجل رئيس وفد "حماس" المفاوض خليل الحية إضافة إلى مدير مكتبه وثلاثة من المرافقين.
يمكن زجّ كثير من الاستنتاجات والأسباب لهذا الهجوم وربطه بوقائع على الأرض، من تصدع الثقة بالحليف الأميركي وروايته المفككة التي تشبه خديعة ساذجة تقترب من الإهانة، وزعزعة الأمن في منطقة الخليج وهي الأكثر ازدهارا اقتصاديا في الخارطة العربية حيث انطلقت "اتفاقيات أبراهام"، وصولا إلى حاجة "نتنياهو" وائتلافه إلى "صورة نصر" على تخوم السنة الأخيرة قبل انتخابات الكنيست، وتمهيد مساحة أوسع لمواصلة "الحرب"، مرورا بتوضيح مضاعف لهشاشة المنطقة العربية وأنظمتها وعجزها أمام شعوبها والعالم في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية المنفلتة تماما.
يعرفون في إسرائيل أن "دراسة الجدوى" لمثل هذه الضربات لا تحتوي على خسارة، الأمر له علاقة بمكاسب شبه مضمونة، حتى بعد تراجع صيحة الانتصار البليغة التي أطلقها "نتنياهو" مبكرا بسرعة غير مسبوقة، مثل تعبير "عملية تدوي في العالم"، وفي ترجمة أخرى أكثر دقة "عملية أدهشت العالم" وانحدارها، الصيحة، إلى "نجاح جزئي" ثم إسناد هذا التراجع بتهديدات شملت الإقليم بما فيها تركيا ومصر، وهي تهديدات أصبحت دارجة ومتداولة في الخطاب السياسي الإسرائيلي، حتى بعد هذه المناورة حافظت "دراسة الجدوى" المسبقة على معاييرها، في تأثيرها على تغذية نزعة الانتقام في أوساط "القبيلة اليهودية" وعبر خرائط يرسمها "سلاح الجو" للمجال الجوي "لإسرائيل الكبرى"، ونظرية "تغيير خارطة الشرق الأوسط" و"اليد الطويلة" وأشياء أخرى من هذا القبيل أهمها تحطيم فكرة "الأمل" لدى الفلسطينيين والمحيط العربي.
ليس واضحا بعد ما الذي ستخرج به الاجتماعات العربية والإسلامية في الدوحة المقررة، اليوم، ولكن الحقيقة المبكرة الواضحة أن الخطر والتهديد يتجاوزان غزة وحرب الإبادة واندفاع موجة الضم في الضفة الغربية، وهما يحومان الآن على رؤوس الجميع.
في فلسطين، تصبح الحقائق أكثر وضوحا، وتصبح محاولة التحليل ترفا في غير محله، لعل أهم هذه الحقائق موجود الآن على طاولة "حماس"، وهذا يشمل السلطة الوطنية، هي أن لا ضمانات خارج الإطار الوطني، عربيا ودوليا، وأن البحث عن ممرات للبيت الأبيض بعيدا عن "البيت الوطني" لا يدخل في ملف هذه الضمانات.
وأن، وهذا أصبح نوعا من سلم "النجاة"، العودة إلى البيت بكل ما يعنيه ذلك من انفتاح على الوحدة الوطنية دون شروط سوى المصلحة الوطنية، هي البرنامج الوحيد المتبقي قبل فوات الوقت.