نشر بتاريخ: 2025/07/02 ( آخر تحديث: 2025/07/02 الساعة: 13:57 )
أشرف العجرمي

القضية الفلسطينية: أزمة الانتماء الوطني

نشر بتاريخ: 2025/07/02 (آخر تحديث: 2025/07/02 الساعة: 13:57)

أظهرت حرب الإبادة الجماعية في غزة قصوراً وطنياً كبيراً في التفاعل الفلسطيني مع هذه الكارثة التي لحقت بجزء من الشعب الفلسطيني. بل إن ما جرى ويجري في الضفة الغربية لا يحظى بالاهتمام والتضامن الوطني حتى بالحدود الدنيا.

فليس فقط تتفرج الغالبية على ما يحدث دون فعل شيء، بل إن هناك حالة من الاستغلال الشديد للوضع الناشئ عن الحرب حتى من أولئك الذين يتحملون المسؤولية عن هذا الواقع.

وهذا الوضع عملياً يعكس أزمة حقيقية في الانتماء الوطني الذي شابه الكثير من القصور والتراجع، فما الذي حدث لنا خلال العقود وتحديداً بعد الانتفاضة الثانية وحالة الفوضى التي دبت في المجتمع الفلسطيني وحتى الآن؟

يمكن قياس التراجع الذي تشهده حالة الانتماء الوطني باعتباره قيمة عليا تحكم سلوك المواطن تجاه الوطن وتجاه أبناء شعبه الآخرين، في المقارنة بين الانتفاضة الأولى وبين ما تلاها من أحداث وحروب خاصة منذ مرحلة استخدام السلاح في الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى».

ففي الانتفاضة الأولى كانت حالة الانتماء الوطني في أوجها حيث كان التعاضد والشعور بالهم المشترك والشراكة الوطنية الحقيقية بين المواطن وبينه وبين الفصائل الوطنية.

فكان الناس يتقاسمون لقمة العيش ويلتزمون بالتوجيهات النضالية التي كانت تصدر عن القيادة الوطنية الموحدة. حتى أن المواطنين بجهود فردية وجماعية كانوا يخاطرون بأنفسهم لإيصال الغذاء والتموين للمناطق المحاصرة والخاضعة لمنع التجوال.

نعم إنه انتماء وطني في أرقى صوره وشعور بأن المواطنين موحدون حول قضية وطنية واحدة.

فالشعب كله منغمس في نضال وطني كل في مجاله من أجل تحقيق مصلحة وطنية ويجمع على نيل الحقوق الوطنية في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وشعار «الحرية والاستقلال» الذي رفعته الانتفاضة لم يكن مجرد كلمات بل هو تلخيص لوحدة وطنية جامعة وانتماء حقيقي.

في مرحلة المقاومة المسلحة في الانتفاضة الثانية حصلت بعض الأمور التي غيرت العديد من المفاهيم والمبادئ التي تربى عليها الشعب الفلسطيني في مراحل كفاحه حتى الوصول إلى «اتفاق أوسلو».

أولها أن الكفاح اقتصر على مقاتلين أفراد وتم تحييد الشعب وأصبح العمل منحصراً في قيام أفراد بعمل ما بصرف النظر عن النتائج وعما يمكن أن يفعله ذلك بالشعب ودون حتى أدنى تفكير بوجود حاضنة شعبية للمقاومة.

والأمر الثاني الأخطر، هو نشوء فكر أصولي يناقض تماماً الانتماء الوطني ويحاول تحطيمه، على اعتبار أننا ننتمي لأمة إسلامية واحدة ولا مجال فيها للفكر القومي أو الوطني.

وكان جل ما عمله أصحاب هذا الفكر هو تشتيت الانتماء الوطني لانتماء آخر أوسع وأشمل.

وهذا قاد في النهاية لابتعاد الشعب وحتى النخب عن الانشغال بالهم الوطني والبحث أكثر عن الخلاص والمصالح الشخصية.

فلا بقينا مع انتمائنا الوطني ولا نحن مؤمنون بالانتماء الأوسع والأشمل.

بل أدى ذلك إلى خيبة أمل شديدة وإحباط من الأمة الإسلامية التي لم تكن موحدة إطلاقاً في أي مرحلة من مراحل نشوئها وخاصة في العصور الحديثة، ولا يمكن الاتكال عليها.

حتى ما سمي «محور المقاومة» الذي يشكل ارتباطاً بين عدد قليل من الدولة والمجموعات فشل هو الآخر في تشكيل حالة وحدة يمكن أن تكون رافعة لتوحيد قوى عديدة حوله.

وفي نهاية المطاف عمل كل طرف وحده وبناء على مصالحه.

واستطاعت إسرائيل أن تحطم هذا المحور بالتعاون مع الولايات المتحدة. فعدنا إلى حالة الضياع بين انتماء وطني هش وانتماء للأمة الإسلامية أكثر هشاشة وضعفاً قاد إلى يأس شديد من كل ما حولنا.

ولا شك في أن تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد التوقيع على «اتفاق أوسلو» وما شاب هذه العملية من سوء إدارة ومحسوبية وعدم تكافؤ للفرص ساهم بدوره في خلق فجوة كبيرة بين القيادات والشعب، وأضعف من جهة أخرى الانتماء الوطني خصوصاً مع تركيز الاهتمام على المصالح الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العامة.

فأصبحت غالبية المواطنين تعيش حالة من اللامبالاة تجاه الواقع الذي بات يعصف بالجميع نتيجة مجموعة من العوامل أهمها فشل العملية السياسية وعودة الاحتلال بصورته المجرمة الفظيعة غير المسبوقة وضعف الأداء القيادي في مواجهة ذلك.

هذه الحقيقة المرة لا تعني بأي حال أننا وصلنا إلى حائط مسدود أو أن مشروعنا الوطني قد فشل تماماً بالرغم من الخطر الشديد الذي يهدده.

فلا يزال الشعب الفلسطيني يفكر في الخلاص من الاحتلال والظلم.

وما نحن بحاجة ماسة إليه هذه الأيام هو إعادة الاعتبار للانتماء الوطني وتنميته كقيمة عليا تشكل أساس الوحدة والتلاحم بين كل أبناء الشعب، ونبذ كل الأفكار العقيمة الذي ثبت فشلها وفككت المجتمع وزرعت اليأس في صفوف الناس.

ولا بد من التوعية بأن دولة فلسطين لن تقوم بمجرد الاعتراف الدولي بنا بل إن حجر الأساس فيها بناء المجتمع على أساس عقد اجتماعي سليم يحدد حقوق وواجبات الجميع، واستنهاض الهمم من أجل عملية البناء التي تبدأ بالتربية في البيت وفي مؤسسات المجتمع والدولة، وتقويم سلوك الأفراد والجماعات على أساس قيم الانتماء الوطني.