نتنياهو و"مصداقية" نادرة!

حسن عصفور
نتنياهو و"مصداقية" نادرة!
فجر يوم الثلاثاء 1 يوليو 2025، نشر رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية بنيامين نتنياهو حديثا له، بعد زيارة مقر جيش الاحتلال، بعيدا عن "الفخر" الذي أشار له، فلعل الكلمة الأهم، التي خرجت منه، بأنه منذ اليوم لم "نعد ضحايا"، اعتراف هو الأول بلسان مسؤول إسرائيلي يهودي أول.
اعتراف نتنياهو، وهو من قاد أوسع حرب مضادة ضد الشعب الفلسطيني، تضع نهاية للاستخدام المضلل الذي استمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى تصريحات رئيس حكومة الكيان، كانت فلسطين الأرض والهوية والكيان، هي الثمن المباشر لتلك الحالة الاستخدامية، والتي لعبت أوروبا وأمريكا، قاطرة تمرير ذلك المشروع، بصفته قاعدة مركزية للبعد الاستعماري الحديث.
قيمة الاعتراف الذي تحدث به نتنياهو، بأنه أكد أن جرائم جيش الاحتلال المرتكبة في فلسطين وحولها، باتت هي الركيزة لتعزيز مكانة دولة الكيان، كأحد أهداف مؤامرة أكتوبر 2023، بدأت تجد طريقها "التعاوني السلس" مع دول عربية وخليجية، دون ارتباط بالقضية الفلسطينية.
لم يترك نتنياهو وقتا للبعض العربي بالتفكير حول أهدافه المحددة، فأعلنها بوضوح كامل، أن الوجود الفلسطيني خطر تهديدي وجودي، وأن "العلاقات" مع المحيط العربي لم تعد تمر عبر فلسطين، وأن القدس عاصمة نهائية لدولتهم، بل ومتجاهلا "ترتيبات" تم التوافق عليها حول المسجد الأقصى وساحة البراق عام 2017 مع جون كيري، وزير خارجية أمريكا.
ومن المفارقات التي تستحق الاهتمام، أنه بعد ساعات من "إسقاط" صفة الضحية عن "اليهود" وفقا لتعريفات ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت بعض حملة جديدة داخل كنيست دولة الكيان للبحث عن تركيب مفهوم جديد لتعبير "الضحية"، باستخدام 7 أكتوبر 2023، والعمل على "تخليدها" لتصبح هي "الكارثة والبطولة المعاصرة"، بديلا للقديم المستهلك جدا.
البحث عن مفهوم جديد للضحية "اليهودية"، باستخدام ما حدث في 7 أكتوبر، الذي أكدت كل تحقيقات إعلام الكيان وأمنه، أن غالبية من قتلوا كانوا جراء قصف طائرات جيش الاحتلال وليس المهاجمين، بل أن جيشهم فتح الباب لمن أراد العبور لأسباب كان أول من كشفها رأس الحكومة الفاشية نتنياهو بعد 48 ساعة من الحدث، تحويل حدث أكتوبر الى "ضحية جديدة" تفتح الباب مجددا حول الحقيقة المستخدمة خلال السنوات السابقة لما كان أرقاما وواقعا.
أن يقر كنيست دولة الكيان أيام جديدة للضحية أو "البطولة"، فتلك لن تسقط حقيقة أقوال نتنياهو بل تكشف جوانب مستحدثة عن البحث لصفة "ضحية"، كونها جزء من رواية التمرير الاستخدامي لخدمة المشروع الكبير.
مقابل تلك المحاولة الخادعة، لا تزال الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، رسمية وشبه رسمية فصائلا ومؤسسات وما حولها، تعيش "دور البطولة"، وتتجاهل البعد الآخر الذي حرك أوساط واسعة في الكوكب الأرض، بأن الضحية ليست تهمة ولا نقيصة، بل هي تعبير اختزالي لأوسع جرائم الإبادة منذ قرون، تمارسها دولة بكل مؤسساتها، وليست فصيلا أو طرفا، كما هي حماس.
البعد الإنساني في جرائم دولة الاحتلال كان قوة الفعل الأكبر في المواقف الرافضة، واتساع حركة الغضب ضد عدوان غير مسبوق، لا يجد أي شكل عقابي، يكون قادرا على منع استمراره ومحاسبة مرتكبيه، والانتقال من مرحلة وصف الجرم إلى وقفه ومحاسبة من قام به.
إعادة الاعتبار لمفهوم "الضحية" الفلسطيني في مواجهة الفاشية اليهودية أصبح ضرورة وطنية، ويجب أن يأخذ أبعادا متعددة، ليصبح قوة حصار لمكذبة يهودية قبل أن تتحول لواقع جديد.
وبالتوازي، يجب تذكير من عليه أن يتذكر، أن نتنياهو، بعدما أسقط مكذبة "الضحية"، وجه رسائله الجديدة من مقر جيش الاحتلال، بأن التغييرات الإقليمية والترتيبات القادمة تمر عبر "فوهة البندقية".